يدور الآن جدل شديد في الأوساط الإعلامية والثقافية حول ما تردد عن الإعداد لصدور قانون لتجريم الإساءة لثورتي 25 يناير – 30 يونيو. وتضاربت الآراء حول ذلك بشدة؛ البعض زايد يمينًا والبعض زايد يسارًا، وبين هذا وذاك تاهت بنا البوصلة، ولم ندرك طبيعة المرحلة التي تمر بها الآن مصر، المرحلة الانتقالية، المرحلة الحرجة التي تمر بها الشعوب في زمن الثورات. في المراحل الانتقالية يكون هناك صراع شديد بين القديم والجديد، بين أنصار أولئك وهؤلاء، ولا يدرك الجميع أن هناك إمكانية لانتقالٍ هادئ إلي العالم الجديد، عالم ما بعد الثورات! هذا ما تشهده مصر الآن؛ تخبط شديد وصل بالبعض إلي الإدعاء بأن ثورة 25 يناير مؤامرة علي الدولة المصرية! وأن ثورة 30 يونيو جاءت لتصفية أنصار يناير وإزالة آثار هذه المؤامرة!! نسيَّ هؤلاء وضع مصر في سنوات مبارك الأخيرة، حيث أدرك الجميع، وعلي رأسهم الجهات الغربية، أن نظام مبارك إلي زوال، وبدأوا في الاستعداد لمرحلة ما بعد مبارك، لكن هذا لا يعني أن الجماهير التي خرجت في 25 يناير كانت متآمرة، لا.. لا.. كانت باحثة عن الخلاص، عن مصر الجديدة، ربما ركب الإخوان الثورة بعد ذلك، لكن لا يمكن الاستسهال والقول بأن ثورة يناير كانت مؤامرة. من يقرأ التاريخ يعرف أن أي ثورة، أو حتي حدث تاريخي كبير، يصاحبه أيضًا أصابع خارجية وأطراف داخلية تحاول تغيير مسار الثورة، وسحبها إلي اتجاهاتٍ أخري، الثورة يا سادة لا تتم في جوٍ معقَّم! قيل عن ثورة 1919 أنها بأصابع شيوعية، وقيل عن ثورة 23 يوليو 1952 أنها مؤامرة أمريكية، إنها ادعاءات أعداء الثورة، لكن الثورة مستمرة، ونجحت ثورة 19 في مواجهة أكبر امبراطورية عرفها التاريخ، بريطانيا العظمي، ونجحت ثورة 23 يوليو في إرساء قواعد مصر المعاصرة الجديدة، لتصبح مصر قاعدة حركات التحرر الوطني.. لذلك من يقول أن ثورة 25 يناير هي مؤامرة، هو في الحقيقة متآمر علي مصر، فلولا هذه الثورة لكان التوريث وجمال مبارك رئيسًا لمصر، وقيادة الجيش المصري الرافضة لمشروع التوريث إلي تغييرٍ وزوال. لذلك وقف الجيش المصري، أقدم مؤسسة عسكرية في المنطقة، إلي جانب الدولة المصرية ولم يقم بحماية نظام مبارك، وقدم اللواء الفنجري تعظيم سلام لشهداء الثورة المصرية. نعم خان الإخوان الثورة، لكن الشعب المصري استرد ثورته من جديد، في 30 يونيو عندما أصدر تكليف نزول الجيش المصري إلي الشارع ليس من أجل حماية نظام أو حتي إسقاط الإخوان، ولكن لحماية الدولة المصرية واسترداد ثورة 25 يناير من جديد. أحيانًا تلجأ الشعوب إلي اجراءاتٍ استثنائية لحماية أيديولوجيتها السياسية؛ لجأت فرنسا إلي قانون تحريم معاداة السامية تكفيرًا عن ذنب اضطهاد ضابط فرنسي يهودي اتُهِم في وطنيته، وثبت بعد ذلك زيف هذا الاتهام، فأصبحت عقدة تجريم معاداة السامية التي تُستغَّل أحيانًا من جانب البعض أسوأ الاستغلال. وأصدرت فرنسا قوانين حماية العلمانية تكفيرًا عن سنوات سيطرة الكنيسة والحروب الدينية التي عانت منها فرنسا. وحتي في تركيا ما زالت القوانين التركية، وحتي تحت سطوة نظام أردوجان، تحترم ذكري أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، ولم يجرؤ أردوجان علي تغيير الكثير من قوانين علمانية الدولة التركية. لم أكن أوَّد صدور قانون تجريم الإساءة لثورة 25 يناير – 30 يونيو، كنت أفضِّل أن تنجح الثقافة والإعلام في مصر في خلق رأي عام يكون بمثابة سياج الحماية للثورة ومكتسباتها، ولكننا فشلنا في ذلك للأسف، فهل الحل في اللجوء إلي القانون؟!