اطمئن، سواء كنت من المعارضين، أو من المؤيدين فأنت فى جميع الأحوال مشتوم مشتوم ياولدى، فهناك حالة غريبة من المكارثية تسود المناخ السياسى والإعلامى فى مصر الآن، والجميع يرفع شعار من ليس معى فهو ضدي. وهذه الحالة تتخذ عدة أشكال، منها هجوم الفضائيات والصحف التى يمتلكها بعض رجال أعمال نظام مبارك على ثورة 25 يناير فى مجملها وتشويهها بكل الطرق والوسائل، لا فارق بين الشباب الوطنى المتحمس الذى نزل إلى ميدان التحرير بمطالب محددة بعد أن انفصل النظام عن الشعب وانشغل بسيناريوهات تمرير حلم التوريث، وبين ركوب الإخوان الموجة ونجاحهم فى خطف الثورة، أو استغلال بعض نشطاء السبوبة الموقف لحسابهم الخاص، الكل سواء .. والثورة مؤامرة. ونسى هؤلاء أن الثورة كانت لها مقدمات كثيرة خلال السنوات الأخيرة لحكم مبارك، التى شهدت عددا ضخما من الاضرابات والتحركات الجماهيرية احتجاجا على سوء الأوضاع، واختتمها النظام بتزوير إرادة الشعب فى الانتخابات النيابية 2010 تحت إشراف أحمد عز مهندس عملية التوريث، ورد مبارك على أصوات الجماهير الغاضبة بعبارته الشهيرة خليهم يتسلوا. ومن أشكال المكارثية الجديدة أيضا الهجوم على شخص أى صاحب موقف بغض النظر عن هذا الموقف معارضا أو مؤيدا مادام مختلفا عن المناخ العام، مثلما حدث مع المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحي، الذى بمجرد أن أدلى بتصريحات ينتقد فيها أحكام البراءة ويقترح بعض أشكال التحرك السياسى من أجل محاكمة مبارك ورموزه على كل ما شهده عهده من جرائم فساد وإفساد واستغلال نفوذ وسوء إدارة وغيرها، حتى انطلقت حرب شعواء استهدفت شخص صباحي، رغم نفيه تبنى أى دعوة للتظاهر، أو التعاون مع الإخوان. ولم يسلم من يتحاورون مع مؤسسات النظام الحالى وشخوصه والبحث عن قواسم مشتركة للمساعدة فى بناء الوطن الذى نريده جميعا من هذه المكارثية أيضا، وفوجئ بعض من شاركوا فى لقاء الرئيس السيسى مع شباب الإعلاميين والصحفيين أخيرا، بالبعض يتهمهم بتقديم تنازلات وشرب الشاى بالياسمين، رغم أن المناقشات التى شاركوا فيها مع الرئيس لمدة 6 ساعات اتسمت بالصراحة الكاملة، ولم تكن هناك أى خطوط حمراء أو زرقاء،ولم يكن هناك شاى بالياسمين أو حتى بالنعناع. وهذه الحالة المكارثية المنتشرة فى بعض وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعى على الانترنت تشكل بكل تفرعاتها خطورة كبيرة على عملية التحول الديمقراطى والاستقرار المنشود فى مصر، فى وقت نحتاج فيه إلى تجميع كل القوى لمواجهة أهم معركتين يخوضهما الشعب المصرى الآن، وهما الحرب على الإرهاب، وملف التنمية، وكلتاهما تعتبر معركة وجود. ولن نتخلص من هذه الحالة إلا باستعادة وحدة القوى التى صنعت ثورة 30 يونيو مرة أخرى على أسس محددة، قوامها استكمال تنفيذ خريطة المستقبل التى تم إعلانها فى 3 يوليو بإجراء الانتخابات النيابية فى أسرع وقت ممكن، والاستعداد الجدى لها من جانب قوى 30 يونيو والتخلص من الخلافات الحزبية الضيقة التى تهدد التحالفات الانتخابية، والدفع بالشباب على جميع القوائم ليتبوأ مقعده المفروض داخل مجلس النواب الجديد، والتوافق على برنامج عمل تتبناه كل القوى السياسية محوره ترجمة كل ماجاء بالدستور الجديد من مواد فى شكل قوانين تحكم حركة المجتمع وتحقق التقدم المطلوب. وفى هذا السياق لا أعتقد أننا بحاجة إلى قانون لتجريم الإساءة إلى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، والتاريخ يعلمنا أن جميع الثورات التى شهدتها مصر والعالم كان لها مؤيدون ومعارضون، وفى النهاية فرضت الأغلبية الساحقة من هذا الشعب العظيم إراداتها، منذ «هوجة عرابى» التى انتهت بمحاكمته ونفيه إلى خارج البلاد بدلا من الإعدام، ولم يعد له اعتباره إلا بعد سنوات طويلة وزوال حكم أسرة محمد علي. وحتى ثورة 1919 التى شهدت خلافات سياسية عديدة وشهيرة بين قادتها، أثرت كثيرا على مسار الحركة الوطنية بعد ذلك. أما النموذج الأشهر فهو ثورة 23 يوليو التى غيرت وجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى مصر بشكل غير مسبوق، وتعرضت بعد رحيل زعيمها جمال عبد الناصر وظهور نظام 15 مايو 1971إلى هجمة شعواء تساندها السلطة والإخوان، وصحفيو السلطان وبقايا الرأسمالية غير الوطنية، ولم يدافع عن هذه الثورة سوى انجازاتها، فلم تستطع كل هذه الهجمة التى جندت لها إمكانات ضخمة أن تقنع الفلاح الذى كان معدما، وحصل على 3 أفدنة من الإصلاح الزراعي، أو الطبيب والمهندس والضابط الذى تعلم بالمجان فى المدارس والجامعات، أو العامل فى قلعة الحديد والصلب بحلوان، بأن ثورة يوليو هى رجس من عمل الشيطان، أو مؤامرة أمريكية حسب عنوان الكتاب الذى أصدره عنها أحد كتبة الإخوان. التاريخ يقول لنا بوضوح: للثورة شعب يحميها. أما الذين يتصورون أن بإمكانهم وإمكاناتهم عودة عجلة الزمن إلى الوراء، أو من يمارسون المكارثية على الجميع ، فنقول لهم: اقتلوا حمدين صباحي، أو اطرحوا الثورة أرضا، لن يخلو لكم وجه مصر. كلمات: أيا وطنى .. جعلوك مسلسل رعبٍ نتابع أحداثه فى المساء، فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء؟ نزار قبانى لمزيد من مقالات فتحي محمود