فلما كانت الليلة الخامسة والعشرون.. قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن القرندلي التركي لما حكي حكايته قبّل الأرض وكان الفجر قد لاح فاستيقظ من إغفاءته الفلاحوقال يا ويلي أنا عندكم من أمس العصر ونسيت صديقي في الأسر. ثم إنه تذكر كل ما جري له منذ عاد من مصر كيف استقبله صديقه وكيف خطفه الإرهابيون وقال إنني لابد أن أبحث عنه حتي ولو كلفني ذلك حياتي فالعيش والملح لا يهون إلا علي ابن حرام أو جاهل مأفون لا مكان عندي للخوف فإما أموت أو أحرر صديقي المخطوف وأنشد من شعر محمود سامي البارودي: ليْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ بلِ الصديقُ الذي تزكو شمائلهُ إنْ رابكَ الدهرُ لمْ تفشلْ عزائمهُ أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسائِلُهُ يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَة ٍ وَ لاَ تغبكَ منْ خيرٍ فواضلهُ لا كالذي يدعي ودا وباطنهُ من جمر أحقادهِ تغلي مراجلهُ قالت صاحبة البيت: أين ستجده يا غافل؟ وكيف ستنقذه من يد إرهاب كافر؟ قال والله إن صديقي قد منحني ودًا حقيقيًا في بُعدي ومقربتي. ولابد أن أذهب إليه فغمزت المرأة إلي صاحبتها فقالت والله يا أخت إن هذا الفلاح مثال للصلاح ولم أر منه إلا كل خير منذ قابلته في السوق ولا بد أن نعطيه أحسن أجر علي صبره معي وحمله لكل الحمول ثم إنها أخرجت سكينًا مكتوبًا عليها أسماء الإرهابيين المشهورين في بنغازي وعزّمت وقرأت عليها بكلام يُفهم وكلام لا يُفهم فبعد ساعة أظلمت الدنيا وإذا بعفريت قد تدلي عليهم من السقف معلقًا من رجلين تشبهان أظلاف الماعز وتتدلي منه ذراعان ينتهيان بخطافين وتتدلي لحيته لتكنس الأرض مثل مكنسة من ليف النخيل بدأت النار تشتعل فيها من شرر عينيه المتطايرين. هرب الجنرال سنقر وتابعه معمر وهرول وراءهما القرندلية الثلاثة ولم يبق إلا الحمّال الفلاح والنساء الثلاثة الملاح قالت المتسوقة للعفريت: لا أهلاً بك ولا سهلاً. والله ما عرفنا بعدك الراحة ولا وجدنا طريق العودة بعد عملتك السودة. يا تامر يا ابن شاهيناز يا من سرت مع الوحوش وتركت الناس استحلفتك باسم الله الأعظم أن تقول أين يختفي صديق هذا الفلاح وإلا قطعتك نصفين بهذا السلاح ثم رفعت سيفها وعزّمت فانقلب العفريت أرنبًا. قال لها أما تعاهدنا ألا يتعرض أحدنا للآخر؟ قالت وهل لك من عهد يا خائن؟! فأجابها العفريت شعرًا من أبي فراس الحمداني: فديتكَ ؛ ما الغدرُ منْ شيمتي قديماً وَلا الهَجرُ مِن مَذْهَبي! وهبني؛ كما تدعي ؛ مذنباً! أما تقبلُ العذرَ منْ مذنبِ ؟ وأجابته من شعر ابن الرومي: مُقابح الكلب فيك طراً يزولُ عنها ولا تزولُ وفيه أشياءٌ صالحاتٌ حَماكَها الله والرسولُ فيه هريرٌ وفيه نبحٌ وحظُّهُ الذلُّ والخمولُ والكلب وافٍ وفيك غدرٌ ففيك عن قدْره سُفول وقد يحامي عن المواشي وما تحامي ولاتصول ثم إنهما ظلا يتعاتبان شعرًا حتي حنت المرأة الحمالة وكادت تعطف علي الأرنب الذي سالت دموعه لكن صاحبة البيت نبهتها إلي غلطها وقالت شعرًا: احرص علي فرط القلوب من الأذي فرجوعها بعد التنافر يعسر إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يُجبر كل هذا يا مولاي والفلاح يستمع في ذهول وفي لحظة انقلب الأرنب أسدًا فأخذت صاحبة البيت شعرة من رأسها وعزّمت عليها فصارت بندقية آلية كسرتها ووضعت فيها حفنة من الأرز الذي تعشوا منه وضربت فخرج الأرز رصاصًا صوبته علي رأس الأسد فتكوم في زاوية الغرفة فوقفت علي رأسه البوابة وقالت بحق السر الأعظم والحب الذي كان قم في هيئة حصان فقام الأسد في شكل حصان أدهم كالليل الأظلم عليه سرج من الحرير ولجام أطهم؛ فأشارت إلي الفلاح ليمتطيه فقام وقفز علي سرجه وشد اللجام ونزعت صاحبة البيت من رأسها شعرة أخري وقرأت عليها فصارت سيفًا أعطته للفلاح وأشارت نحو السقف فانزاح ونبت للحصان جناح ثم جناح وطار بالفلاح الذي تشبث بالسرج بيد ولو بالأخري بالسيف مودعًا الملاح. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.