أخاف دائما من دولة المادحين، فهي غالبا ما تفرض ستارا كثيفا علي صناع القرار تحجب عنهم رؤية الحق حقا ولا ترزقهم اتباعه، ولا تريهم الباطل باطلا وتدلهم علي اجتنابه. مناسبة هذا الحديث اختفاء المعارضة من الاراضي المصرية، حتي أصبحت مثل الكهرباء والماء مقطوعة، وإن ظهرت تكون لساعات كنوع من تخفيف الاحمال علي المصريين الذين أداروا ظهرهم لها عندما تأكدوا أنها لا تتذكرهم إلا في موسم جمع الغنائم (مقاعد البرلمان). وحتي الآن لم يستدل بعد علي اي عنوان لهذه المعارضة، فكل منها مشغول بالدخول في تحالف بهدف حصد اكبر عدد من المقاعد وبسبب طمع كل حزب في الآخر، لم يكتمل اي تحالف بعد وبعضها دام ليلة واحدة، وأصبح المثل «طمعنجي بني له تحالف، فلسنجي، سكن له فيه». وحين أصدرت الحكومة الكثير من القوانين، بعضها كان له تأثيره السلبي علي الحريات مثل قانون المظاهرات، لم نر موقفا شجاعا من هذه الاحزاب في مواجتهه، ولولا نفر من شباب الثورة وبعض الحقوقيين ما ظهر ان هناك اعتراضا علي القانون. وبدلا من دورها المنوط في تصويب اداء الحكومة، انشغلت بوصلات التطبيل والتهليل، ظنا منها ان ابداء آراء معارضة لن يصب إلا في مصلحة الاخوان المسلمين. ولهذا صمتت صمت القبور وهو الصمت الضار بمصر، لان اي حكومة تحتاج إلي من يصوبها. لكن هل غياب المعارضة يرجع إلي شيوع مناخ يكره الديمقراطية ويلفظ حرية التعبير ويعتبر حرية الصحافة تجاوزا والمخالفين في الرأي طابورا خامسا يجب إخراسهم ؟ ربما استكانت المعارضة ورأت ان إيثار السلامة في ظل هذا المناخ يجعلها تعيش بلا وجع دماغ. في الوقت الذي نجد فيه مسلمين بيننا يهاجمون موجة الأسلمة التي تجتاح مجتمعاتنا سعيا للالتزام بالشرع الحنيف ويلصقون بها كل المصائب، نجد ان موجة «يهوده» تجتاح اسرائيل ترعاها الجماعات اليهودية دون اتهامات بالتطرف أو الارهاب. مؤخرا قامت الدنيا في اسرائيل لان نتنياهو تناول في نيويورك وجبة ريش من لحم غير مذبوح علي الشريعة اليهودية(الهلاخاة).موجة التدين المستشرية في اسرائيل وصلت إلي الممثلين فقد بدأت دروس «الكبالاه» (تعاليم اليهودية السرية) في استقطابهم وأعلن أكثر من ممثل ومطرب أنهم بدأوا الحفاظ علي قدسية يوم السبت (عدم السفر او استعمال الأجهزة الكهربائية). وحتي جدعون ساعر وزير الداخلية المستقيل والمعروف بعلمانيته اصبح مؤخرا ملتزما بقدسية السبت، بل حاول إغلاق المحلات في هذا اليوم، وفشل.ويري موقع «المصدر» الاسرائيلي أن ما يشكل «خطرًا» في الموجة الحالية هو الجانب القومي منه، لان التدين يتم مع الاقتراب من الرؤية اليمينية العنصرية التي تتمسك «بأرض إسرائيل الكاملة»- دولة يهودية تضم غزة، الضفة الشرقية، بل والغربية.