ما هذا الذي يجري في العالم العربي؟ هل اصبح العرب في هذا القرن الحادي والعشرين أقرب ما يكونوا الي «الرجل المريض» الذي تتفتح شهية دول طموحة الي اقتسامه؟ تقول مجلة «دير شبيجل» الالمانية، في دراسة أعدها ثمانية من كبار محلليها، ان ابوبكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش وجماعته» أصبح الاداة التي تستخدم لتفكيك واعادة تركيب العالم العربي، وتقول مجلة «ايكونوميست» البريطانية انه، في حقيقة الأمر، لم يعد في الإمكان اعتبار كل من سورياوالعراق دولة بالمعني المفهوم، بعد ان قررت «داعش» حذف العراقوسوريا من الخريطة واعلان «الخلافة الاسلامية» وطالبت المسلمين في مشارق الارض ومغاربها بالسمع والطاعة، واصبح المطلوب الان من بقايا الانظمة والحكومات الخضوع للولاة الجدد!.. أما المهمة المرتقبة فهي تدمير الكنائس وتكسير الصلبان ومحو الشيعة وقطع الرقاب واعدام السنة غير المنضبطين»!» ذلك ان أي مسلم يرفض الدخول تحت راية ابوبكر البغدادي يعد «مارقا»! وهناك في الغرب من يتساءل عن السبب في تراجع العرب وتحول حضارة كانت تتصدر العالم الي دمار وخراب بعد ان كان الاسلام كلمة مرادفة للابداع، وبعد ان كان عنوان العرب هو التعليم والتسامح والاختراع، صحيح ان التعصب وضيق الافق، والطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية والتطرف الاعمي المدمر.. كلها لعبت دورا كبيرا في تخلف العرب.. وتدهورهم.. الي ان اصبحوا في حالة بائسة.. ولكن المحلل الامريكي «كريس ايرنستو» يقول ان السبب في انهيار العراق مثلا ليس الصراع الطويل بين المسلمين السنة والشيعة، ولكن ست رؤساء امريكيين هم الذين خلقوا اوضاعا تجعل ما يجري في عراق اليوم امرا محتوما، فقد وضع الرئيس جيمي كارتر في خطابه «حالة الاتحاد» في يناير 1980 ما سمي بمبدأ كارتر، الذي ينص علي ان الولاياتالمتحدة سوف تستخدم القوة عند الضرورة للدفاع عن مصالحها القومية في الخليج، واعقب ذلك قيام ادارة كارتر باعطاء الضوء الأخضر لصدام حسين لشن حرب ضد ايران، وهذا ما كشفت عنه، بشكل قاطع، وثائق مكتوبة بخط يد الكسندر هيج، وزير الدفاع الامريكي الاسبق، وتؤكد الملفات السرية للمخابرات الامريكية التي ازيح الستار عنها في عام 2013.. حقائق كانت معروفة سلفا تتعلق بالمساعدة التي قدمتها ادارة الرئيس الامريكي رونالد ريجان لصدام حسين في استخدام الاسلحة الكيماوية ضد ايران، وفي نفس الوقت، قامت واشنطن بتسليح ايران وهو ما فضحته عملية ايران كونترا، ثم قامت امريكا بتسليح كل من العراقوايران، مما ادي الي استمرار الحرب بينهما طوال ثماني سنوات ومقتل اكثر من مليون عراقي وايراني. وفي عهد الرئيس جورج بوش الاب.. خرجت برقية من وزارة الخارجية الامريكية تحتوي علي نص المناقشة الشهيرة بين السفيرة الامريكية في بغداد «ابريل جلاسبي» وصدام حسين، والتي كشفت عن محتواها «ويكيليكس» في عام 2011، وهي المناقشة التي اعطت واشنطن من خلالها موافقة ضمنية لصدام علي غزو الكويت، ثم اعلنت في الدقيقة التالية الحرب علي العراق للدفاع عن الكويت. وكانت حصيلة حرب بوش ضد العراق مقتل مائة الف عراقي وبداية عقوبات جماعية غير انسانية الحقت اضرارا جسيمة بكل العراقيين.. واول من اخترع اكذوبة «اسلحة الدمار الشامل في العراق» هي ادارة الرئيس بيل كلينتون، الذي اعلن منذ عام 1998 انه يجب عدم السماع لصدام بان يهدد جيرانه او العالم بالاسلحة النووية او الغازات السامة او الاسلحة الجرثومية، وكان هذا التصريح هو الذريعة لتوجيه ضربات صاروخية امريكية للعراق وتسبب تشديد العقوبات ضد المدنيين العراقيين.. في وفاة نصف مليون طفل عراقي نتيجة لمنع الاطعمة والادوية اللازمة لهم وكشفت مادلين اولبرايت، وزيرة خارجية كلينتون، الوجه الحقيقي لامريكا عندما سئلت عن وفاة الاطفال العراقيين، فقالت لبرنامج «60 دقيقة» في عام 1996 انه «اختيار صعب للغاية، ولكننا نعتقد ان هناك ما يستحق دفع هذا الثمن»! اما حرب التدمير والابادة التي شنها الرئيس جورج بوش الابن ضد العراق، فانها لم تكن نتيجة خطأ في معلومات استخبارية، وانما نتيجة كذبة ملفقة ومتعمدة وأسفرت الحرب عن مصرع حوالي مليون عراقي وتحول اربعة ملايين اخرين الي لاجئين وتدمير البنية الاساسية للعراق وهدم الدولة والغاء الجيش العراقي.. وافساح المجال امام المنظمات الارهابية. أمريكا وراء تدمير العراقوسوريا وليبيا.. ولكنها عجزت عن تدمير مصر، وكان الهدف الاخير هو «الجائزة الكبري» بالنسبة لواشنطن. كلمة السر: حماية الدولة والهوية