يوميات الأخبار

في الطريق إلي بلاد الهانگول... ومطار الأفگار

عدة دقائق وظهر رجل أشعث أغبر كأنه قام لتوه من "تعسيلة" نوم طويلة.. قميصه خارج بنطاله
أزرار أكمامه مفتوحة وبدأ يصرخ في المسافرين: كله يرجع ورا.. فبهت الذي رأي وسمعطنين يعبث بخلايا مخك.. تشعر كان رأسك تحول لمشروب غازي تعرض لهزات متتابعة عنيفة.. تتدافع جزيئاته اللانهائية بجنون.. تبحث عن مخرج في اي مكان فلا تجد...تتحول الي موجات متلاحقة من الوغز والالم.. تتصدع ارجاء دماغك.. حظي العثر جعلني اجلس علي مقعد بجوار جناح الطائرة.. اربع محركات عملاقة تحاصرك من الجانبين.. ..اغمضت عيني محاولا النسيان لافائدة.. اخيرا اشفقت المضيفة علي حالي واسكنتني مقعدا آخر.. مضغت علكة.. اشعر الآن بارتياح.. اربع ساعات ونصل الي مطار الدوحة الدولي.. رحلتي لاتزال طويلة.. امامي تسع ساعات سأقطعها بطائرة اخري الي سيول حيث عاصمة كوريا الجنوبية او بلاد الهانكول نسبة الي الاسم الذي يطلقه الكوريون علي لغتهم التي ابتكرها احد اعظم ملوك كوريا سيه جونغ هانكل في القرن الخامس عشر.
..انفتح باب الطائرة بعد ان هبطت بسلام.. كان في استقبالي زخات من الهواء الحارق ورطوبة خانقة.. شعرت ان الطيار هبط بنا علي سطح المريخ وليس قطر.. تصببت عرقا في مسافة لاتتجاوز 50 مترا من باب الطائرة حتي الاتوبيس الذي سينقلنا الي قاعة "الترانزيت".. بلامبالغة سار الاتوبيس بنا اكثر من ربع ساعة حتي نصل الي مقصدنا.. تحدث مصري بجواري معلقا : "بيلف بيك المطار من ابعد نقطة ليشعر القادم انه في مطار عملاق ".. ورد عليه آخر ساخرا "مهو المطار ده الصالة وبيقت البلد الاوضة ".. .داخل صالة الترانزيت تجد جنسيات من كل انحاء العالم.. تشعر بالغيرة لان هدا البلد الصغير استطاع ان يصنع كيانا من تراب الصحراء وباموال النفط والغاز .. ويصيبك الحنق والسخط علي قياداته التي تعمل ليل نهار لتذكي نار الفتن في الوطن العربي ومصر ظننا منها انها ستصبح بذلك الزعيمة وهو مايتنافي مع كل قوانين الطبيعة.. . ساعتان قضيتهما في انتظار موعد طائرتي الي كوريا.. .وعندما حان موعد الاقلاع تسلمت عدة السفر لتساعدك علي شقاء رحلة التسع ساعات القادمة.. بطانية للتدفئة، وسادة صغيرة، قناع للعين لمنع الضوء عند النوم وسدادتان للاذن لمنع اي ضجيج محتمل.. وجدت نفسي بعد 3 ساعات أتململ في مقعدي كأن ملايين من اسراب النمل صنعت لنفسها دهاليز داخل عروق جسدي.. قمت متجولا في الطائرة.. التقيت اكثر من مسافر معي يتجول وكأننا في ساحة تريض.. رأيت عجوزا كوريا يمارس التمارين الرياضية بكل نشاط ليعيد تدفق الدماء الي جسده .. وقفت الي جواره وبدأت في تقليد بعض حركاته.. لم يمانع.. عدت الي مقعدي محاولا النوم من بجواري يشعر بالغثيان استغاث بالمضيفة.. حاولت مساعدته.. لن أتحمل ان يتقيأ علي مقعدي.. ناولته هي جرعة دواء فشعر بتحسن.. الجو بالطائرة اشبه "بديب فريزر" نظرت من الشباك رأيت اسفلنا جبالا من الجليد تلحفت بالغطاء طلبا للدفء لكن لا مفر اطرافي تتجمد قمت أتمشي مجددا التقيت بمصري يقف باحد الاركان.. عرفته من ملامحه.. حكي لي انه يسافر الي كوريا باستمرار ليستورد كميات من قطع غيار السيارات وهو شاب بسيط من بورسعيد لم يكمل تعليمه لكنه نجح في عمل تجارة رابحة له ويتعلم اللغة الكورية ليستطيع تنمية تجارته ويسافر في العام الواحد اكثر من مرة واستطاع ان يشتري شقة صغيرة باحدي المدن بكوريا.. يقيم فيها كلما جاء توفيرا للنفقات والتقيت مصريين آخرين جاءا لشراء انواع من البلاستيك وتصديرها الي مصر..اضطررنا لانهاء الحديث لان قائد الطائرة يطلب ربط الاحزمة لتعرضنا لمطبات هوائية.. هرعت الي مقعدي.. ظللت اقرأ قليلا حتي غلبني النعاس.. استيقظت علي نداء الوصول الي مطار انشون الدولي وهو اعجوبة حقيقية في بلد كانت تصنفه الامم المتحده عام 1954 من افقر دول العالم وتليه في المرتبة الهند .. الاعجب انه كان يتلقي المساعدات من مختلف دول العالم ومن بينها مصر!!
أفكار في كل زاوية
الأحد:
لان المطار هو اول ما يستقبلك في بلد وآخر ما تراه عينك عند مغادرته.. فقد حرص الكوريون علي ان يكون مطارهم الدولي علي اعلي مستوي من الخدمات وليس فقط الفخامة او الاتساع.. فمنذ عام 2005 جري تصنيف مطار انشون الدولي كأفضل مطار في العالم من قبل مجلس المطارات الدولي لمدة سبع سنوات متتالية وهو واحد من أكبر وأكثر المطارات ازدحاما في العالم قدرته الاستيعابية 40 مليون مسافر في العام ويتحرك بداخله 110 الاف راكب في اليوم .. ليست الاعجوبة بهذا المطار هو نوع الرخام الدي يفترش ارضيته او فخامة رسوم جدرانه او حجمه العملاق فهناك مطارات عربية تمتلك ما هو افضل واكبر ولكن.. اعجوبته الحقيقية تكمن في "السيستم ".. نظام العمل داخل المطار.. اقصي سرعة و افضل راحة للمسافر مع توافر خدمات تتيح للسائح كل مايحتاجه دون الحاجة الي ان تسأل احدا.. اهم ما يشد انتباهك هو الحركة السريعة فور ان تخرج من الطائرة تجد نفسك داخل المطار.. تركب قطاراً سريعاً اشبه بالمترو ينقلك الي منطقة تواجد الامتعة تحمل حقيبتك تقف في طابور قصير في اقل من دقيقة تكون انهيت اجراءات الدخول.. اعود بكم "فلاش باك" سريعاً الي مطار القاهرة الدولي قبل يوم واحد.. المشهد اقف في طابور اجراءات انهاء المغادرة ويتشاجر مسافران علي اولوية الوقوف لعدم وجود خط ينظم الطابور وهنا يتوقف ضابط الجوازات عن العمل رافضا المتابعة حتي تحل المشكلة وبعد عدة دقائق يظهر رجل أشعث أغبر كأنه قام لتوه من "تعسيلة نوم " طويلة وقميصه خارج بنطاله وازرار أكمامه مفتوحة وبدأ يصرخ في الواقفين: "كله يرجع ورا .. محدش هيدخل غير من هنا "مشيرا لما بين يديه وهنا بهت الذي سمع ورأي لهذا الظهور المفاجئ لرجل الامن.. بدأت نظرات الاستغراب من المسافرين الاجانب.. حاولوا فهم حركاته مضطرين الي الانصياع لاوامره .. اعود بكم الي مطار انشون الدولي في نفس الموقف ليس علي المواطن الكوري سوي وضع جواز سفره علي بوابة اليكترونية فتنفتح البوابة ليجد امامه بوابة اخري يضع خنصر إصبعه فتتعرف علي هويته وتطابقها مع جواز سفره الاليكتروني ليصبح بذلك قد انهي اجراءات سفره وما عليه سوي التوجه لبوابة طائرته.. نظرت الي ساعتي حسبت المدة التي يستغرقها ذلك.. عشر ثواني لا اكثر !!..بعد ذلك اذا كان لديك وقت قبل اقلاع طائرتك ستجد كل الخدمات التي تحتاجها.. ضع تذكرتك علي قارئ تذاكر الطائرات بالمطار وهي عبارة عن شاشة اليكترونية تنتشر في كل ارجاء المبني.. مهمتها قراءة تذكرتك وتعريفك بموقعك علي خريطة المطار وارشادك الي اقرب الخدمات التي تريد الحصول عليها وكل ذلك مدعوم بالدقيقة والثانية التي ستسغرقها في ذلك كما ترشدك الي اقرب المطاعم والاماكن الترفيهية في طريقك الي بوابة طائرتك.
الهرم الأكبر في أمريكا
الإثنين:
السرعة ثم السرعة ثم السرعة.. اهم شيء داخل المطار..النظافة عنوان المكان.. العناية بالمسافر والابتسام في وجهه شيئان اساسيان .. وتجد لوحة كبيرة عليها صورة لافضل عشر ابتسامات حصل عليها الموظفين بالمطار طوال الشهر لتشجيعهم.. والمطار في كوريا ليس مجرد مكان عادي بل هو مدينة متكاملة.. فاذا كنت مجرد مسافر عابر "ترانزيت ".. فسوف تجد بداخله متحفاً يحكي لك تاريخ وحضارة وتقاليد الامة الكورية كما يمكنك مشاهدة عروض فلكولورية من التراث الكوري والتقاط الصور مع العارضين بازيائهم المختلفة والحصول علي تذكارات مجانية لاهم المعالم التاريخية بكوريا واصطحاب اطفالك وتركهم في صالات مخصصة للعناية بهم حتي تقضي جولتك بالمطار وكل ذلك مجانا ودون ان تدفع دولارا واحدا.. وتوجد حمامات مخصصة فقط لاستحمام المسافرين ومجهزة بالمناشف المجانية واخري للاطفال وللمعاقين بالاضافة الي صالة للتزلج علي الجليد وقاعة سينما واماكن ترفيهية كثيرة.. وتنتشر اجهزة لانعاش القلب مشحونة بالكهرباء!! حتي تستطيع انقاذ حياة اي راكب قد يتوقف قلبه فجأة لان الثواني القليلة مهمة لانقاذه وبمجرد فتح باب الجهاز ترسل اشارة لاسلكية الي اقرب نقطة اسعاف بالمطار لتنطلق عربات مجهزة الي موقع المريض!!.. في كل ركن بالمطار هناك فكرة مبتكرة مهمتها خدمتك.. تركت كل ذلك وانطلقت سريعا للخروج بعد ان حصلت علي حقائبي وكان في استقبالي مجموعة من الشباب الكوري بعضهم يعمل لهيئة السياحة الكورية والآخر متطوع ومهمتهم استقبال الزائرين الاجانب والترحيب بهم ومنحهم بعض الحلوي و الكتيبات المجانية عن كوريا وخريطة للمترو وتوفير اي معلومات قد يحتاجها . اكثر ما يحزنني هو ان المسئولين في مصر يسافرون الي جميع بلاد العالم ويشاهدون ماهو اكثر من ذلك ويحصلون علي بدلات السفر ولايشعرون بالغيرة لتطبيق اي افكار جديدة التي قد لاتحتاج الي اموال بقدر احتياجها قيادة تستوعب ذلك ... وأندهش اننا نمتلك حضارة عظيمة ولا نستغل ذلك بشكل يحقق لنا ارباحاً خيالية.. احد الافلام الوثائقية التي انتجتها قناة ناشيونال جيوجرافيك قامت بعملية حسابية افتراضية لحجم الارباح التي يمكن تحقيقها اذا ما تم نقل الهرم الاكبر فقط من مصر الي الولايات المتحدة.. واكتشفت بعد استطلاع آراء الخبراء ان اقل رقم يمكن تحقيقه هو اكثر من 2مليار دولار سنويا بيبنما نجني نحن بضعة ملايين من الجنهيات.
من القاع إلي القمة
الثلاثاء:
ثلاثة اشهر سأقضيها في كوريا بدعوة من نادي الصحافة الكوري الذي يستضيف مجموعة من الصحفيين من مصر والهند و اندونيسيا وكمبوديا والفلبين وفيتنام وهي كلها دول قدمت المساعدة لكوريا خلال معاناتها في خمسينيات القرن الماضي.. نتلقي محاضرات نقاشية عن الاقتصاد والصحافة والسياسة والتاريخ الكوري ونقيم في مبني تابع لجامعة كوريا واحدة من اهم عشر جامعات في العالم. لم أندهش من قوة التكولوجيا وارتفاع ناطحات السحاب.. اكثر ما يبهرني هنا هو تلك الارادة الحديدية للكوريين الذين نجحوا في تحويل أنفسهم من افقر دولة في العالم الي الدولة رقم 11 في الاقتصاد العالمي ورقم واحد في صناعة السفن واجهزة الحاسوب واشباه الموصلات وحوسبة المناهج في العالم، ورقم 2 في انتاج الهواتف الذكية والشاشات الاليكترونية ورقم 4 في صناعة السيارات.. اسرار هذا التحول ستكون مثار حديث قادم مع مجموعة من اساتذة الاقتصاد والتاريخ الكوري.
حكمة كورية
الأربعاء:
تستطيع إنشاء جبل من حفنات التراب حتي وإن استغرق وقتا طويلا.. فالنهاية ستكون سعيدة