بعيدا عن الخلافات والتوترات بين الجارتين الكوريتين والتي تحظي عادة باهتمام ومتابعة وسائل الاعلام الغربية, فان الزائر للعاصمة الكورية الجنوبية سول لابد أن يشعر بالانبهار تجاه حضارة وتقدم هذا الشعب الذي استطاع بعزيمته واصراره أن يحقق خلال سنوات معدودة معجزته الاقتصادية وأن يحتل مكانة متقدمة في عالم الكبار. هذا الشعور بالانبهار يبدأ منذ اللحظة الأولي للوصول الي مطار انشون الدولي الذي يصنف عادة بين أضخم المطارات علي المستوي العالمي, وهي المكانة التي يستحقها عن جدارة بسبب مساحته وخدماته العديدة المقدمة للمسافرين. حيث يحتل المرتبة الثامنة علي مستوي آسيا من حيث عدد المسافرين, والمرتبة الخامسة علي مستوي العالم من حيث حركة البضائع والشحن, كما جري تصنيفه عام2005 كأفضل مطار في العالم من قبل مجلس المطارات الدولي. وبالرغم من الصورة النمطية المأخوذة عن الشخصية الآسيوية بشكل عام والكورية بشكل خاص بأنها شخصية في منتهي الجدية والالتزام, الا أن ذلك لا يمنع من ملاحظة أن الشخصية الكورية ودودة للغاية ومتعاونة لاقصي الحدود وان الانضباط هو السمة الأساسية فيها خاصة فيما يخص الوقت. ومع ذلك فان هذا الانضباط لا ينفي أن المجتمع الكوري يتميز بالحراك السياسي الكبير, فعادة ما تشهد ميادين العاصمة العديد من المظاهرات التي تتنوع مطالب القائمين بها ما بين مطالب عمالية وأخري ترفع شعارات اجتماعية, ولكن كلها تتم في اطار من التنظيم الدقيق فتتحاشي تماما اعاقة حركة المرور فلا توجد منصات اعتصام أو قطع للطرق, فقط تجمعات للمتظاهرين علي جانب الطريق, وهو أمر مهم وحيوي خاصة في مدينة مزدحمة مثل سول التي تعاني من التكدس المروري رغم التزام المواطنين الصارم بقواعد المرور. ومن الأمور اللافتة كذلك خلال الزيارة التي استمرت خمسة أيام الجدل القائم حول وضع المرأة الكورية, حيث تري بعض الاصوات النسائية أنه رغم دورها الملموس واسهاماتها في صناعة هذه الطفرة الاقتصادية, الا انها مازالت تعاني من عدم التقدير لدورها داخل المجتمع, كما أنها تفتقد المساواة مع زملائها الرجال في المناصب الادارية العليا والرواتب وحتي المزايا الاخري سواء في أماكن القطاع الحكومي أو الخاص, وهي مفارقة تستحق التأمل خاصة وان منصب الرئاسة حاليا من نصيب امرأة هي السيدة' بارك جيون هاي'. ولكن هذا الانطباع الايجابي الذي يتكون سريعا لدي أي زائر لكوريا الجنوبية لا يصرف النظر عادة عن محاولة معرفة رد فعل المواطن العادي تجاه العلاقة مع الجار الشمالي خاصة وانها الحاضر الغائب دائما في المشهد السياسي الكوري, وذلك بعيدا عن التغطيات الاعلامية التي قد تعطي جانبا من الحقيقة وتغفل الآخر, وهنا كان الرد المعتاد من أحد المرافقين الذي حرص علي تقديم اجابة دبلوماسية مضمونها أن ما يجمعهم مع الشمال صلات دم واحدة وعائلات متشابكة, وأنه يعتقد في استحالة أن تقدم حكومة بيونج يانج علي تنفيذ تهديداتها, فهم في النهاية شعب واحد رغم كل تعقيدات السياسة.