هربنا من واقعنا سنوات طويلة، ونسجنا فلسفتنا الخاصة للتعامل مع المحبطات، وفي أحيان كثيرة للحصول علي ما ليس لنا حق فيه، وتلخصت هذه الفلسفة في عبارة بليغة، هي :" اعمل عبيط "، ظللنا نعمل بها يوميا حتي غرقنا فيها!.. لا يوجد مصري لم يخض التجربة، سواء استعبط أو تعرض للاستعباط من أبسط الأشياء الي أكبرها، تنتظر خروج سيارة لتركن مكانها، فتجد من يستعبط ويركن مكانك، تقف في أي طابور، وتجد من يتجاوزك، تقوم بتنبيهه، يرد عليك : " هوا فيه ايه غلطنا في البخاري "، وجاءت أوقات تعرض الوطن نفسه للاستعباط من رؤسائه في كل المواقع بما فيهم رئيس البلد، وعندما يأتي وقت الحساب يقول "معلشي مخدتش بالي"! لم يكن غريبا أن نجد من يغني " اعمل عبيط.. افهم وما تبينشي "، أو تجد كتابا بنفس الاسم أوصفحات علي الفيس بوك تحمل نفس العنوان، ومنها صفحة ظهرت أيام الاخوان تحت اسم " اعمل عبيط " تقول لنا : " في ظل هذه الظروف الرهيبة التي تمر بها البلاد لا يسعني الا أن أقول لك اعمل عبيط يا مصري "، كما حملت صفحة أخري عنوان " عيش حويط واعمل عبيط"، وتجاوزت صفحة ثالثة وقالت في شعارها " اعمل عبيط تشعر فعلاً أن مصر جنة.. وهي بالفعل جنة العبيط".. وسامح الله من قال ذلك!.. نستطيع أن نتحمل "الاستعباط"، ونتسامح فيه ولكن الحكاية الأساسية كما قال عالم الاجتماع الامريكي وليام جيمس، أننا قد نتسامح ولكن جهازنا العصبي لن يتحمل ذلك، وأعتقد أن المصريين وصلوا الي الذروة، وأصبح جهازهم العصبي مكشوفا من كل تلك السلوكيات السيئة، التي سودت حياتنا ! أقدر المثل الذي قاله أجدادنا " لو طلعلك العفريت اعمل عبيط "، ولكني متأكد، أن الاستعباط لن يستمر، وماحدث للرئيس المعزول وجماعته، انذار بانتهاء زمن الاستعباط السياسي، ولا أعتقد أن استعباطهم علينا حاليا تحت اسم »السلمية« سيدوم، وتبقي مشكلتنا قائمة في "الاستعباط الذاتي الذي نمارسه في حياتنا، وكم أخشي ان يصبح ذلك جزءا من نسيجنا الوطني ونصبح ذلك الشعب الذي يستعبط حتي علي نفسه !!