انتهت رحلة الألم والعذاب، بعد 23 يوما ذقت فيها مرارة المرض، وشكوت اليك يارب العالمين قلة حيلتي وضعف امري تجاه قدرك وسلطانك، استردت وديعتك في هدوء وسكينة، ورحلت أمي من عالمنا الي عالم ارحب يليق بمكانة كل من ادي رسالته علي الوجه الاكمل وارضي بأفعاله وتقواه العليم العظيم والخالق الحق . تجربة لا يمكن وصفها، عشتها علي مدار ما يزيد علي ثلاثة أسابيع داخل غرفة العناية المركزة، منذ اللحظة التي شعرت فيها أمي بالألم واستغاثت بي لنجدتها وهي صامتة غير قادرة علي الكلام وقد هدها المرض والوهن، وطيلة فترة العلاج شعرت بضعف الانسان امام قدرة ربه سبحانه وتعالي، فالجميع سواء كان الاطباء او طاقم التمريض يفعلون المستحيل من اجل إنقاذ حياتها وعبور الازمة المرضية التي تمر بها، ولكن كانت مشيئتك يارب العالمين هي الحاسمة وهي القرار الحق، فمهما كان علم الاطباء ومهارتهم هناك من هو اعلم وقادر علي كل شئ . لحظة الرحيل كنت بجوارها، طاف بذهني مشوار الحياة معها منذ كنت طفلا مرورا بمرحلة الشباب وصولا لما وصلت إليه الان عمرا، كانت رحلة مملوءة بالعطاء والتضحية وإنكار الذات، تفرح لفرحي وتحزن لحزني وتبكي في لحظات همي، تسهر الليل تجفف عرقي في أوقات المرض ولا يغمض لها جفن الا بعد ان يطمئن قلبها أني قد رحت في سبات النوم، كانت أمي مدرسة تعلمت منها الكثير، أوصتني الا اظلم احدا او أجور علي حق ليس حقي وان اعفو عمن ظلمني لان الله سبحانه وتعالي سيعطيني حقي مهما طال أمد ظلمي، غرست في قلبي حب الناس والسعي الدائم للعطاء وان يكون القرآن دستور ومنهج حياتي، ولا تضعف نفسي امام مغريات الحياة ونعيمها، وكانت نعم الصديق في اللحظات التي تشعر أني في حاجة الي صديق، والحاسمة في اللحظات التي تشعر فيها أني في طريقي للخروج عن تعاليمها ودروسها الحياتية . اعتذر لك ياامي عن لحظة غضب أسأت فيها اليك، او كلمة طائشة خرجت من لساني دون قصد ووجهت اليك، او لحظات شغلني فيها العمل عن السؤال عنك، او فعل قمت به اغضبك مني او اي تقصير صدر بحقك مني وانا ساه في معترك الحياة اللاهية، فهل تقبلين اعتذاري ياسيدة كوني وحياتي، اعلم ان قلبك الكبير سوف يسامحني ويغفر لي اخطائي ولن تحرميني من الدعاء لي حتي انت لست في عالمنا، واعلمي أني لن انكص عهدك بي وسأقبض علي تعاليمك لي ما حييت، حتي ارضيك وتظلين مزهوة بي كما كنت دائماً . لن اقول أمي وداعا ولكن سأظل اردد دائماً أمي الي لقاء قريب يجمعنا.