فوزى مخيمر هالني المشهد الذي طوق القنصلية المصرية في جدة، وارتفعت ضراوته عندما اقتحمتها جمهرة من العمالة المصرية في السعودية، بعد أن افترشت الشوارع المحيطة بها لعدة أيام، منادية بحل مشاكلها، سواء مع الكفيل السعودي، أو تقنين وضعها، آثر تواجدها غير المشروع علي أرض المملكة. وقد أدي هذا السلوك المستهجن إلي تعطيل مصالح المئات من المصريين الذي توافدوا علي القنصلية في جده من العاملين بالمنطقة الغربية كلها، وهي جده ومكة والطائف والمدينة وينبع، اضافة إلي استثارة سكان المنطقة من السعوديين وغيرهم، واستنفار أمني واسع، وصبر طويل من الأمن السعودي. وجاءت مطالبهم فوق طاقة القنصلية، الإدارية والاستيعابية والمالية طبعا، من بين هؤلاء من انتهت مدة اقامتهم ولم يتمكنوا من تجديد الاقامة نظرا لعجزهم عن تسديد الرسوم المطلوبة للتجديد بعد مضاعفتها من قبل السلطات السعودية، وتكليف الكفيل السعودي بسدادها، إلا أن البعض من أصحاب الكفالات رفض تسدديها، كون المكفول حر طليق يعمل لصالحه الخاص مقابل مبلغ معين يدفعه للكفيل شهريا. وهناك شريحة أخري من صاحب العمل، ووجدت نفسها مهددة بالسجن لتواجدها غير الشرعي علي أرض المملكة، ولم تجد من يوافق لها علي تجديد الاقامة أو انهائها والعودة إلي مصر. ولأن معظمنا كمصريين لم نتعود علي تسجيل اسمائنا في القنصليات، إلا وقت الحاجة أو لزوم الازمات، فقد احتمي المئات من العمالة المصرية بالقنصلية لعلها تجد لهم مخرجا من اتخاذ الاجراءات الامنية السعودية الصارمة ضدهم وتواجدهم في الشوارع المحيطة بالقنصلية. كان المشهد مهينا ومعقدا، بعدما صدرت التعليمات الامنية السعودية بالتطويق وعدم الايذاء وضبط النفس معهم. وحتي نكون أمناء، فإن المسئولية تقع علي طرفين وهما الكفيل والمكفول، اللذان وضعا القنصلية والأمن السعودي في موقف حرج. المصريون ونهضة الخليج مع ظهور النفط في دول الخليج العربية، والطفرة في اسعاره في اعقاب حرب السادس من أكتوبر 3791م، أصبحت دول النفط مقصدا للعمالة العربية والأجنبية، وتحولت دول الخليج الصحراوية إلي دول مضيافة لسكان الأرض للاسهام في التطور والنهضة والتقدم البشري والعمراني والاقتصادي والتعليمي، واهتمت بالعناصر البشرية في تعليمها وابتعاثها إلي أرقي الجامعات في العالم، وانتشرت المدارس والجامعات في ربوع الصحراء، وعادت البعثات العلمية والتعليمية حاملة أرقي الشهادات، لدرجة أصبح لدي دول الخليج الآن طفرة بل وفرة بل بطالة في حملة الدكتوراه. ولجأت دول الخليج إلي منح الاولوية لأبنائها، وظهرت في ثمانينيات القرن الماضي، التعمين »عمان«، والسعودة »السعودية«، التقطير »قطر«، التكويت »الكويت«، وهذا حقها وحق مواطنيها في الاحلال محل العمالة الاجنبية اللهم في بعض المهن والوظائف، وهناك مهن ووظائف أصبحت حكرا علي ابناء دول الخليج، وهناك وظائف شغلتها الكوادر المحلية، وبالتالي اضطرت إلي الاستغناء عن العمالة الاجنبية، وليس كما يشاع ويتردد بين المصريين بالذات أن دولة خليجية معينة تستغني عن المصريين، أو لاتجدد عقودهم نكاية في مصر، أو رئيسها للضغط علي المصريين. والدليل علي ذلك أن بعض دول الخليج لا تزال تطلب عبر اعلانات الصحف مهناً معينة مثل الاطباء، واساتذة الجامعات تخصصات معينة ومدرسين للمراحل التعليمية تخصصات نادر، وفنيين في إدارة السكك الحديدية كما تفعل السعودية الآن، باعتبار أن مشروع مد خطوط السكك الحديدية حديث العهد ويحتاج خبرات، ربما لا تتوافر إلا في مصر، باعتبار مصر من أقدم دول العالم في ادخال السكك الحديدية، ولديها مدرسة في هذا المضمار.