صدر قانون الصكوك بعد تصديق رئيس الجمهورية د. محمد مرسي عليه، وقد نشر القانون بالجريدة الرسمية وأصبح واحدًا من قوانين الدولة المعمول بها، وينتظر أن تنتهي وزارة المالية من لائحته التنفيذية قريبًا، حتي يكون واقعا معيشا في الاقتصاد المصري. وقد حظي القانون بدوامة من الجدل، منذ طرحه كفكرة، وأثناء مناقشته علي الصعيد المجتمعي، أو علي الصعيد التشريعي، حيث اعتبره البعض أحد أدوات الصراع السياسي، فعمل علي إفشال القانون، أو تقديمه لرجل الشارع بأكبر قدر ممكن من السلبيات، فسمعنا عن تطبيقات لا تتعلق بالصكوك علي الإطلاق. ومن هنا أري أنه من حق القارئ أن نعرض لمجموعة من الحقائق للقانون رقم 10 لسنة 2013، حتي يكون علي بينة من أمره في شأن تكوين موقف منه، أو تحديد موقفه كمدخر أو مستثمر للاستفادة من آلية جديدة في مجال التمويل بالمجتمع المصري، وهذه الحقائق هي: الصكوك ليست اختراعا مصريا، ولا اختراعا إخوانيا، أو مقترحا يتفرد به حزب الحرية والعدالة أو بقية الأحزاب الإسلامية، ولكن الصكوك آلية موجودة في السوق العالمي، طبقتها دول غير عربية مثل ماليزيا والمانيا وانجلترا، وباكستان، ودول عربية مثل الإمارات والسعودية وقطر والسودان، وقد قدر سوق الصكوك علي مستوي العالم في عام 2012 بنحو 250 مليار دولار. الصكوك هي واحدة من أدوات التمويل، وليست عصا سحرية لحل كل مشكلات الاقتصاد المصري، ومن أهم مزايها، أنها لا تُعتبر دينا ولكنها تعتمد علي المشاركة، وبالتالي لا تحمل الموازنة العامة، أو المشروعات العامة التي تستفيد منها أية أعباء مالية، توضع في ميزانيتها. أعربت مجموعة من كبار البنوك والمؤسسات المالية عن استعدادها للاكتتاب في الصكوك التي ستصدرها مصر، مثل مورجان استانلي، وH S B C ، وبنك دبي الإسلامي، كما أعلن البنك الإسلامي للتنمية عن تخصيصه لمبلغ 6 مليارات دولار للمساهمة في إصدارات الصكوك بمصر علي مدار السنوات القادمة. لا توجد أية علاقة بين الصكوك التي شُرع بشأنها مؤخرًا قانون في مصر، والصكوك الشعبية التي كان نظام مبارك ينوي تطبيقها علي يد وزير الاستثمار السابق د. محمود محي الدين. ومن أبرز هذه الفروق، أن صكوك مبارك كانت تهدف إلي بيع كافة أصول شركات قطاع الأعمال العام وتوزيع عائد البيع علي المواطنين، وتكوين ما يسمي بصندوق للأجيال القادمة توضع فيه نسبة من عائد البيع، ولكن الصكوك الحالية وفق القانون رقم 10 لسنة 2013، تهدف إلي إقامة مشروعات بتمويل من الأفراد والمؤسسات، تستفيد منها الدولة، وتنتهي ملكيتها في نهاية المشروع للدولة، وبمعني بسيط صكوك مبارك تهدف إلي تبديد أصول الدولة، وصكوك ما بعد الثورة تهدف إلي زيادة أصول الدولة. المادة (3) من مواد إصدار قانون الصكوك رقم 10 لسنة 2013 تنص علي (يحظر استخدام الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة ملكية عامة أو منافعها لإصدار صكوك حكومية في مقابلها) ومن هذا النص يتبدد الوهم الذي حاول البعض أن يحيط به قانون الصكوك، فلا مجال لتطبيق الصكوك علي قناة السويس أو الأهرامات، أو غيرها من الأصول التي تصنف علي أنها من الملكيات العامة للدولة. ولكن الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة يجوز إصدار صكوك بشأنها علي أن تكون ملكيتها حق انتفاع وليس ملكية الرقبة. أن الصكوك محددة المدة، حسب طبيعة المشروع، بعضها لا يزيد عن 12 عامًا، وبعضها لا يزيد عن 25 عامًا، وبالتالي ليست كما قيل أنها تعيد عقود الامتياز، أو أنها تصل إلي 99 عامًا، ولابد من الأخذ في الاعتبار بأن هذه المدد هي الحد الأقصي، وغالب المشروعات ستكون في مدد أقل من ذلك. لا تقل قيمة الإصدار للصكوك عن 100 مليون جنيه أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية في حالة الإصدارات الحكومية، بينما الإصدارات الخاصة لا تقل عن 50 مليون جنيه أو ما يعادلها من العملات الأجنبية. ومن هنا نضمن أن الصكوك سوف تمول مشروعات كبيرة ومتوسطة، وهي مشروعات تحتاجها مصر في المرحلة الحالية. اشترط القانون أن تكون إصدارات الصكوك متوافقة مع قواعد الشريعة الإسلامية، وبالإضافة إلي أن الصكوك تخضع لهيئة الرقابة المالية، فقد أوجب القانون وجود هيئات شرعية، من أهم شروط عضويتها الحصول علي درجة الأستاذية في الفقه. ومن هنا فالصكوك تلبي طلب شريحة من المواطنين يحرصون علي موافقة تعاملاتهم مع قواعد الشريعة الإسلامية. يسمح القانون بتداول الصكوك بالبورصة المصرية، ومن هنا فنحن أمام إضافة جديدة للأدوات المالية المستخدمة في البورصة، مما سيساعد علي زيادة حجم التعاملات بالبورصة، وكذلك عملاء جدد لم يكونوا من ضمن عملائها. في الختام أعيد التركيز علي أن الصكوك ليست العصا السحرية التي تحل بها كل مشكلات مصر الاقتصادية، ولكن الحل الحقيقي لحل تلك المشكلات أن نعمل، ثم نعمل، ثم نعمل.