عندما دقت الساعة التاسعة مساء بتوقيت القاهرة يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين .. خلت الشوارع من المارة بنسبة كبيرة .. وامتلات المقاهي من كل صوب وحدب .. واتجهت الانظار الي الشاشة الصغيرة متطلعة لوجبة كروية خاصة في دور الاربعة لدوري ابطال اوروبا .. المشهد ربما يكون مألوفا في الفترة الاخيرة .. ولكته في نفس الوقت أثار العديد من التساؤلات حول قصة تغيير هوية مشجعي الساحرة في مصر .. ولماذا بات الانتماء للبارسا او الميرينجي يأتي في نفس مرتبة أنديتنا لدرجة أن تشجيعها بات قاسما اساسيا في الملامح الشخصية لكل مشجع؟ ملاعب السبت طرحت الموضع علي طاولة الخبراء في مصر في محاولة لوضع النقاط فوق الحروف ، ليس فقط باعتبار هذه الظاهرة شيئا مستحدثا علي ساحتنا الكروية .. ولكن ايضا للتوصل الي اسباب اقبال الجماهير بشكل شبه منتظم علي هذه المباريات لدرجة انه من الصعب عليها ان تدير ظهرها لاي منها ، بل انه ربما لا تهتم كثيرا بمباراة محلية للاندية الكبيرة اذا تعارضت مع احدي قمم القارة البيضاء. يقول د. عمرو ابو المجد المدير الفني لاتحاد الكرة ان هناك ثلاثة اسباب وراء ما يحدث .. اولا غياب المتعة في المباريات المحلية نظرا لتوقف النشاط لاكثر من عام .. ثانيا دوري المجموعتين الذي اضعف المسابقة كثيرا لانه لا يتساوي مع دوري المجموعة الواحدة في القوة .. ثالثا هذا الحشد الكبير من النجوم ذو الاسماء اللامعة التي تحتشد بها أندية أوروبا. ويضيف أبو المجد أن أهل القمة في القارة الاوروبية من أمثال برشلونة وريال مدريد وغيرهما يقدمان دائما تابولها رائعا من الفن الكروي , خاصة ان كل منهما يضم بين صفوفه عدد محترم من النجوم المميزين .. بالاضافة الي ان الاجواء المحيطة سواء من جماهير او تنظيم يساعد علي ذلك .. وقال أن غياب الجمهور في ملاعبنا بالطبع أفقد المباريات الكثير من المتعة وجعلها خالية من الاثارة . وحول كيفية العودة الي الزمن الجميل قال المدير الفني لاتحاد الكرة انه لا بد اولا من التزام الجمهور سواء من الالتراس او غيره .. ثانيا العودة الي نظام المجموعة الواحدة لان من شأنه رفع المستوي الفني والمهاري للاندية وبالتالي تقديم الوجبة المثالية من الامتاع الكروي ويقول طارق العشري المدير الفني لانبي ان فاقد الشيء لا يعطيه في اشارة الي ان الظروف الحالية لا تساعد اي فريق علي تقديم افضل ما لديه .. فقد تحول تشجيع الجماهير الي أمور أخري لاعلاقة لها بكرة القدم .. سواء كانت سياسية او غيرها. واضاف ان الاندية الاوروبية تمتلك كل مقومات جذب المشجعين لها عندما تريد سواء من ناحية النجوم المحتشدة في صفوفها او الظروف الرائعة التي تقام فيها المباريات من خلال التنظيم المميز. ويري المدير الفني لانبي ان سهولة شماهدة هذه المباريات الكبيرة ساعد علي ارتباط الجمهور ولاسيما الشباب بها .. فلم يعد الامر صعبا كما كان من قبل بل بات من الممكن مشاهدة كل مباراة في حينها من خلال الفضائيات المتوافرة. ويضيف العشري ان جماهير مصر اتجهت الي الشاشة الاوروبية كرويا لانها وجدت فيها غايتها من المتعة والمستوي الفني الرائع ,, وقال ان العودة الي الزمن الجميل تتطلب عدة نقاط في مقدمتها التزام المشجعين والتركيز علي التواجد في الملاعب لمساندة لاعبيها فقط بعيدا عن امور أخري لا علاقة لهم بها .. والاستفادة من تجربة الاوروبيين في كيفية توفير الاجواء الامنية لاخراج المباريات بشكل هاديء ورائع. ويقول ابراهيم يوسف المدير الفني لغزل المحلة ان ما يحدث لجماهير الكرة المصرية حاليا "عملية انجذاب او انبهار" للاجواء التي تشاهدها في اوروبا .. فكل شيء هناك يتسم بالجمال وحسن التنظيم ويسير بشكل رائع بحيث انك تشعر بان الجمهور في نزهة او رحلة جميلة. واضاف يوسف أن الصورة مختلفة جملة وتفصيلا في ملاعبينا .. فهناك دوري الاموات الذي لا يليق به سوي ان يقام في القبور وليس الملاعب , حيث لا يتواجد سوي عدد من الاعلاميين وصفين من جنود وضباط الشرطة , بخلاف الجهاز الفني لكل فريق .. وقال ان الجمهور افتقد الانتماء وروح التشجيع بعد ان سيطرت المادة علي كل شيء. واشار المدير الفني للمحلة ان اللاعبين انفسهم لم يعد يهمهم سوي المادة , فالكل يتحدث بلغة المال ولتذهب المشاعر والانتماء الي الجحيم .. في حين أن الموقف كان مختلفا ايام زمان سواء في عصره او من سبقوه فالمدرجات كانت مكتفظة بالجمهور الحقيقي لكرة القدم .. والجميع كان حريصا علي الاستمتاع دون الخروج عن النص . واضاف يوسف أن عودة الماضي الجميل ممكنة لو كانت هناك ارادة من الجميع , خاصة من ناحية الانضباط وتنفيذ القانون. ويري محمد حلمي المدير الفني لاتحاد الشرطة أن الاسلوب الذي تدار به الكرة المصرية وراء ما يحدث.. فلا احد يعرف موعد المباريات واذا كانت هناك مباراة ستقام اليوم او غدا في حين ان الوضع زمان كان مختلفا من ناحية تحديد كل شيء .. فمثلا كان الاهلي يلعب الساعة الثالثة يوم الجمعة بينما يليه لقاء الزمالك في الخامسة . ويضيف حلمي ان ايقاف الدوري ايضا فترة طويلة وتقسيمه الي مجموعتين أدي أنصراف الجماهير واهتمامها بالمسابقات الاوروبية .. فهذا النظام يفتقد المنافسة القوية في حين ان المجموعة الواحدة تجعل الامور مشتعلة لان الجميع ينتظر نتائج الاخرين والفارق بين الانول والثاني يصبح نقطة مثلا .. في حين ان النظام الحالي يجعل كل انسان ينتظر مرحلة التصفية النهائية دون أن يأبه لما يدور من نتائج في الوقت الحالي. ويطالب المدير الفني من أجل عودة الزمن الجميل بضرورة اتخاذ قرارات رادعة من المسئولين ضد اي تجاوز دون تفرقة بين الاهلي والزمالك وباقي الاندية .. وان يعود الضبط والربط الي الملاعب حتي تستيعد بريقها واثارتها .. لان سياسة"معلهش والطبطبة " التي تتم بها الامور في الوقت الراهن لن تفيد في شيء .. بل انه يري ان لجنة الانضباط في اتحاد الكرة عليه ان تعاقب اي لاعب لمجرد توجهه الي الحكم للاحتجاج حتي يكون عبرة لغيره ويتعلم الجميع الالتزام.