ربما تكون الصدفة .. و ربما تكون الأجواء المسيطرة حاليا على الساحة المتمثلة في ظاهرة الالتراس .. ولكن بصرف النظر عن كل ذلك فان الحديث عنها لا يزال حديث الساعة في الأوساط الكروية العالمية والدولية .. وهو ما دفع مجلة "ورلد سوكر" إلى فتح ملف اقرب للتحقيق عنها في عددها الأخير والذي ركز بالدرجة الأولي علي ثقافة الكرة الايطالية والتي تشكلها الالتراس كما أشارت في عنوانها .. وان كان بالطبع ما سيتم سرده درس رائع نتمنى أن نستوعبه لوأد هذه الروح الشريرة المسيطرة على ملاعبنا وأسفرت عن سقوط عدد من الضحايا في إستاد بورسعيد بسبب غياب الروح الجميلة والمنافسة الشريفة بين جماهير الأندية. بدأت المجلة الانجليزية استعراضها لهذا الملف بإلقاء نبذة تاريخية عن الظاهرة بالإشارة إلى أن المجموعات لها تكونت في الخمسينات من القرن الماضي .. وإنها احتفظت بطقوسها من خلال الألعاب النارية والأعلام الضخمة التي تملأ بها المدرجات في مباريات الدوري الأحد من كل أسبوع. وكشفت ورلد سوكر ان هذه المجموعة من المشجعين تعتبر نفسها خارج النص بالنسبة للجماهير العادية .. حيث أنها تختلف عنها من خلال حجز مكان خاص لها في المدرجات وبالتحديد وراء المرمي وإنها تسعي للفت الأنظار عن طريق قرع الطبول والألعاب النارية والصورايخ .. ووان تاريخ العنف بينها معروف طبقا لأوراق التاريخ حيث كان الصراع مشتعلا بين أطرافها خلال فترة الستينات والثمانينات من القرن الماضي .. وان ما حدث كان نتاج لحالة الاضطراب الاجتماعي والسياسي التي كانت تشهدها ايطاليا في تلك الفترة وأسفرت عن سيطرة الإرهاب لأراضيها .. وقالت المجلة ان التعبئة السياسية والكروية الثقيلة كنت وراء زئير هذه المجموعات في المدرجات . وأشارت المجلة الانجليزية إلى انه على الرغم من الماضي المخضب بالدم والذي يمثل عار على تاريخ الدوري الايطالي (الكاليتشو) الا أن هذه الروابط المتناحرة بدأت تشكل فيما بينها مجموعات لإنهاء هذه النزاعات وتحقيق ما يسمي بالايطالية (جيميلاجي) وتعني التوأمة .. وقالت ورلد سوكر أن مثل هذه الروابط بين الالتراس خرجت من المعتقدات والخبرات السياسية لأعضائها .. وانه بصرف النظر عن الحادث المأساوي الذي راح ضحيته رجل شرطة في دربي صقلية بين كاتنايا وباليرمو عام 2007 .. فان الصداقات التي خلقتها نجحت في احتواء التاريخ الأسود للصراع الطويل بين كبار الكالتشيو. وأشارت المجلة الانجليزية إلي أن أكبر مثال على ذلك حالة الوفاق التي يشهدها دربي ميلانو بين ميلان وانترناسيونالي والذي يشوبه دائما معتقدات سياسية وخلفيات تاريخية .. وقالت أن فريق لاتسيو المعروف بانتماء جماهير الالتراس لديه للجناح اليميني دخل في توأمة مع انترناسيونالي خاصة في ظل كراهية كل منهما لميلان وبريشيا . وأضافت المجلة أن جماهير ليفورونو تتمتع هي الاخري بآراء سياسية في ظل انتماء الالتراس إلى اليسار المتطرف وامتلاكها أراء شيوعية حيث شهدت هذه المنطقة نشأة الحزب الشيوعي عام 1921 .. وقالت انه على الرغم من خلفية السياسية العميقة للالتراس فانه من المعتقد أن أول توأمة بين هذه المجموعات جرت عام 1977 .. وان الأمر اعتمد في المقام الأول على الاحترام والحب بين كافة الأطراف . وأشارت ورلد سوكر إلى أن التاسع من يناير من عام 1977 شهد بداية التحول الحقيقي .. فقد توجه ثلاثة ألاف مشجع لفريق بيسكارا إلى فيانتشينزا لحضور لقاء الفريقين .. وحقق الفريق الزائر المفاجأة بالفوز علي منافسه .. وكان رد فعل جماهير صاحب الأرض رائعا من خلال التصفيق للضيوف وان كانوا اعربوا عن غضبهم على فريقهم بالهتاف ضد لاعبيه .. ولم يختلف تصرف جماهير فيانتشينزا عن ذلك في مباراة الإياب.. وكان هذا الموسم استثنائيا لكلا الناديين التي حملت لافتة "لا شيء يفصلنا". وقالت المجلة الانجليزية أن من ابرز علاقات التوأمة التي شهدها تاريخ الكاليتشو ما حدث بين جنوه ونابولي .. فعلي الرغم من حساسية لقاء الفريقين في مايو من 1982 حيث كان نابولي قد تأهل إلي كاس الاتحاد الأوروبي بينما احتاج منافسه إلى نقطة واحدة فقط ليضمن البقاء في الكالتشيو .. وتقدم الأول بهدف وأدرك منافسه التعادل في وقت متأخر مما منحه قبلة الحياة في المسابقة .. ولم تنس الجماهير العلاقة الدافئة بين الطرفين بعد صعودهما من الدرجة الثانية عام 2007 حيث رفع مشجعو جنوة لافتة في لقائهما تحمل عنوان " مرحبا بشقيقي القادم من نابولي". وأضافت ورلد سوكر أن العلاقة بين فيرونا وفيورونتينا تمثل نموذجا أخر للترابط السياسي .. فعلي الرغم من اختلاف المعتقدات بين الطرفين إلا إنهما انصهرا بشكل رائع حتى الآن .. وأشارت المجلة إلى كتاب تيم باركس بعنوان " موسم مع فيرونا" وقالت أن الكاتب ذكر انه بصرف النظر عن الهتافات الساخنة المتبادلة بين الجماهير المنافسة فان الأولاد يقومون ببيع أعلام فيورونتينا للجماهير التي تقوم بمعانقة بعضها وتشجع كل منها الاخري دون غضاضة. وأضافت المجلة ان التوأمة كانت فكرة غريبة بالنسبة لجماهير كرة القدم ليس فقط بالنسبة لمشجعي انجلترا الذين كانوا يجدون متعة كبيرة في فكرة أنهم يتحدون العالم كله .. ولكن هذه الفكرة بالتأكيد ساهمت في استئصال العنف من الملاعب الايطالية في ظل سيطرة مشاعر الأخوة والصداقة والتي تتكون في الأوقات الصعبة.