منذ25 يناير المبارك وحتي التعديل الوزاري الأخير لم يهدأ المجتمع لحظة عن المطالبة بالتغيير الذي أصبح لدي الكثيرين رغبة لا تعدلها غيرها حتي ولو لم يدرك كنه ذلك التغيير. وهذه الأخيرة قد دفعت البعض إلي سلسلة من ممارسات التدمير المادي والمعنوي التي وضعت البعض منهم تحت طائلة القانون ليس تحقيقا فقط بل وعقابا أيضا. مما لا شك فيه أن التغيير والتدمير لكونهما فعلا إنسانيا بحتا فإن طرح محددات لكليهما ترقي لمستوي الشواهد النظرية يمثل أمرا مطلوبا في ضوء تقييمنا للواقع واستشرافنا للمستقبل, في وقفة تقييم نلتقط بها الأنفاس ونضع النقاط علي الحروف. ومن هذا المنطلق فإن التغيير بطبيعته لا يخرج عن أساسين رئيسيين هما التغيير الجزئي والكلي, وفي ضوء رؤية شمولية تضمن حدوثه دون مضاعفات أو عثرات. ووفقا للحالة المصرية فإن فلسفة التغيير هنا قد ارتبطت بالبعد الثوري مما كان يعني ببساطة تغييرا جذريا للمفردات السياسية والمجتمعية ومن ثم الاقتصادية التي درج عليها المجتمع, ولتصبح قضية الكلية والجزئية هنا مرتبطة بالآليات من حيث التدرج الزمني دون المفردات التي لم يكن هناك خلاف عليها. فالحرية و الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والمرتبطة جميعها بالعيش ماديا و معنويا, ظلت الهدف الأسمي للإطار العام لقضية التغيير, ومن البديهي أن يكون أول أساس هنا لتفعيل الإطار النظري هو الشخوص التي تمثل ليس فقط أداة التنفيذ بل وتضرب المثل في القدرة عليه تجاوبا وإقناعا. ورغم أهمية مبدأ الإقصاء وليس العزل السياسي في تلك المرحلة إلا أن نجاح ذات الوجوه في البقاء بل وتصدر المشهد قد جاء أول حجر عثرة في هذا الشأن, ليس من منطلق إسباغ التهم بالانتماء أو العمالة أو غيرهما علي أهميتها ولكن من منطلق الحكمة التاريخية الخالدة أن لكل زمان دولة و رجالا. بيد أن الإلتباس السائد هنا أن الفئة التي اعتلت أريكة الحكم قد تبنت مبدأ المغالبة بالأفراد علي الأفكار وتعظيم الولاء الجزئي علي الانتماء الوطني, مما أفسح الطريق لمتعددي الولاءات لاستكمال منظومة المغالبة. وخطورة هذا الأمر تكمن في التمكين المتجدد لذات الوجوه واستثماره علي الجانب الآخر كدليل علي المشاركة الشكلية لدفع تهمة المغالبة الفعلية, فجاء ذلك شاهدا علي أول لبنة توضع في فكر التدمير سواء عمدا أو بغيره. أما ثانية الشواهد في فقه التغيير فهي التي ترتبط بمنظومة الأولويات لكونها تضع رؤية واضحة ترتبط بقيمة الزمن, ولعل أوضح شواهدها في الحالة المصرية مبدأ المائة يوم الذي أفضي إلي استثمار سياسي سرعان ما تلاشي تاركا لدي الجميع حالة إحباطية شديدة الخطورة, في حين لو تم ترتيب الأولويات بحيث تصبح علي الأجندة أكثر من مائة يوم واحدة لكان أوقع وأجدي. لا سيما أن مفهوم الخطط الخمسية علي واقعيته في الرؤي الاستراتيجية وخطط التنمية المستدامة فإن استخدامه بالحق أو غيره منذ1952 قد جعله مرادفا للاسترخاء السياسي والاستنامة المجتمعية. ومن ثم فقد استطال مفهوم التدمير بالزمن والذي شهدناه ويستشري وفق خطة استهدفت مؤسسات الدولة الحيوية بدءا بالقضاء وانتهاء بالجامعة, وليس بخاف علي أحد أن شخوص الماضي متصدرة المشهد الآني كانت المستفيدة الأولي سواء كنتاج للمشاركة أو علي الأقل للمشاهدة الداعمة للعودة للوراء. وقد جاءت التعديات الغوغائية علي شواهدنا التاريخية والتراثية ماديا وفكريا بمثابة عناصر التوشية لفكر التدمير, وفي هذا الصدد ليس المجمع العلمي ولا الآثار وغيرهما عنا ببعيد. ولو تم إقرار الأمن الخشن وإعمال القانون العاجل حيال تلك التجاوزات لكان إنجازا تنبني عليه بقية الإنجازات ووسيلة للتقدير المجتمعي حال تأخر أو تعثر غيرها من الأهداف. ومن شواهد فقه التغيير التقييم الدوري والمتابعة للنتائج حتي يمكن تلافي العثرات أولا بأول واستبعاد المعوقات بذات القدر الخاص بتعظيم النجاحات واستثمار نتائجها عمليا ومعنويا, الأمر الذي من شأنه أن يجعل من فكر التدمير متهافتا ومتواريا حيث لا ملعب له ولا لاعبين ولا جمهور. إذ سيصبح الكل مشغولا بتحقيق النتائج وجني الثمار مما سيخلق حالة تنافسية مجتمعية تعلي من قيم كدنا ننساها ترتبط بالإرادة والإخلاص والنظام والعمل. ويرتبط بهذا الأمر الابتعاد الكلي عن فكرة المسكنات أو الترقيع الذي يخلق حالة من التراخي الذاتي أو التشوه المقيت الذي يضرب أسس التغيير من إبداع وتجديد وتخطيط في مقتل, ويخلق مسوغا لترسيخ فكر التدمير بقناع التغيير وهو عنه ببعيد. والواقع أن الحديث في هذا الشأن جد طويل لا سيما في الحالة المصرية التي كان التغيير فيها مطمحا آنيا واستراتيجيا, بيد أنه ضل الطريق وكاد يخرج بلا عودة بعدما تكالبت عليه قوي متباينة تدعي الوصاية أو احتكار الحكمة وهي عنهما ببعيد. فلكل شاهد دليل ولكل هدف وسيلة وكما أن الوصاية علي الشعوب ضرب من ضروب التسلط فإن إحتكار الحكمة سبيل من سبل الغواية السياسية الموردة للتهلكة, والشعوب ليست كالأطفال قد يسهل مخادعتها إنما هي بركان هادر وطاقة تستوجب التوجيه في أهم أسس فقه التغيير وإلا استحالت إلي أداة للتدمير حال إعلاء مفرداته الفكرية بترسيخ( البعضوية) علي الكلية والتشرذم علي التوحد والتغريرعلي التبرير وتمكين السفلة من القوم علي العلية و غيرها كثير.. ليعود المجتمع القهقري حتي إذا ما استفاق بحكم طبائع الأشياء لوجد الوطن عنده فوفاه حسابه.. ويا له من حساب. (إشراقات السعدي2) من رأي أن علينا الإنصات أكثر من الكلام لأن لنا أذنيق وفما واحدا, عليه أن يدرك أيضا اننا نستطيع السمع بأذن واحدة و لكن لا يمكننا الكلام بشفة واحدة. رابط دائم :