فى ظل ما نعانيه من أزمات حقيقية ومفتعلة سواء سياسية واقتصادية واجتماعية على مدى عقود طويلة, ما زلنا نرواح أماكننا وندور حول أنفسنا ونكرر نفس أخطاءنا ولا نتعلم من عثراتنا, بل نصر على الوقوع وعن عمد أحمق فى نفس الزلاّت والأخطاء التى ترقى إلى حد الخطايا لما لها من نتائج كارثية على أمن وسلامة المجتمع والوطن كله, وكأننا فى أوائل سنوات الدراسة والتعلم والتلقين والتقليد والنقل الأعمى للنصوص والمُتون دون إنزالها على أرض الواقع وتكييفها مع مقتضيات الزمان والمكان وطبيعة الأحوال. فى كل عام يحتفل النصارى بأعيادهم(كمناسبة خاصة بهم وحدهم) ويحتفلون أيضاً مع شركاء الوطن من المسلمين بأعياد الربيع (أو ما يسمى بشم النسيم) ويخرج الناس (وغالبيتهم من العوام والبسطاء) يتنزهون فى الحدائق والمتنزهات دون ربطها بأى طقوس دينية على الإطلاق ذلك أنه لم تكن هذه المناسبة" شم النسيم" مرتبطة بالدين ,اللهم إلا مجيئها بعد عيد القيامة عند الأقباط , حيث أن هذه العادة من الناحية التاريخية" فرعونية "بالأساس قبل 5 ألاف عام (2700 ق.م ) نقلها عنهم بنو اسرائيل وحافظ عليها من بعدهم الأقباط كعادة ومعهم الكثير من المسلمين العوام والبسطاء على وجه الخصوص دون ربطها بأى حزازات أو حساسيات دينية, وبعيداً عن نية التشبه بغير المسلمين فى طقوسهم الدينية. ورغم ذلك نجد فى كل عام من يسأل نفس الأسئلة ويثير نفس الأزمات والانقسامات المجتمعية, ليس بين المسلمين وغير المسلمين, بل بين المسلمين أنفسهم والتى تصل إلى حد الاتهام بالتفريط فى العقيدة والخروج عن جادة الدين بموالاة النصارى والكفار فى أعيادهم, دون مراعاة لوحدة وتماسك المجتمع, أوفهم عميق لمقاصد الشريعة الإسلامية , واعتباراً لفقه الأولويات, وفقه الواقع, وفقه الموازنات ,وقد أكون مخطئاً ولا أزعم لنفسى احتكار الحقيقة (وهذا لايعنى موافقتى على التهنئة أو الاعتراف بالطقوس الدينية النصرانية), لكنى أحاول قراءة الواقع(كقارىء متواضع) من منطلق المصالح والمفاسد وانحيازاً للمصلحة العامة دون القفز على أحكام ومقاصد الشريعة بالطبع التى تتفق وصالح الأمة , فالإسلام صالح لكل زمان ومكان , وليس ديناً جامداً صلباً يجافى العقل والمنطق بما يتفق و تغيرات العصر وواقع الحال دون إفراطٍ أو تفريط فى دين الأمة وثوابتها , وفى المقابل دون تفزيع الناس من دينهم قبل غيرهم ممن لا يدينون بهذا الدين, وقد أوضح العلاّمة الشيخ محمد الغزالى معنى"مقاصد الشريعة" أو المقاصدية هى فهم الإسلام من خلال منابعه الأصلية ,التى تحترم اجتهادات العقل البشرى , ولا تختزل فهم النص فى حدود أسباب نزوله, ولكنها تتعدى ذلك إلى فهمه بصورة جديدة, تساعدنا على فهم الواقع, ومعالجة مشاكله,ولهذا اهتم الإسلام بالكليات أكثر من اهتمامه بالجزئيات, وبالمقاصد الشرعية أكثر من القضايا الشكلية والظاهرية , وهذا ما يتنافى مع التفكير السطحى لظواهر النصوص وتجاهل مقاصدها القادرة على حل المشاكل والمعضلات الحياتية بفهم عميق يتسق مع تطورات وتغيرات العصر وتقلبات الحياة. يبين فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى فى كتابه الهام" فقه الأولويات" أهمية وأولوية الفهم على الحفظ ,والمقاصد على الظواهر, والاجتهاد على التقليد, والاعتراف بالضرورات الطارئة والتى تطرأ فى حياة الناس ,فردية كانت أو جماعية , وقد قال "ابن القيم" (أينما تكون المصلحة فثم شرع الله) وهناك قاعدة فقهية تقول" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح", فنحن أحوج ما نكون إلى تطبيق فهمنا للشريعة على حفظها من منطلق المقاصد والمصلحة العامة وأحوج ما نكون أيضاً لتطبيق فقه الأولويات والواقع والموازنات على أرض الواقع كى لا نكرر أخطاءنا كل عام ونوفر على أنفسنا عناء الجدال والمراء الذى لا يجدى فى زمن الفتن والبلاءات. [email protected]