ومما لا شك فيه أن غياب الرئاسة عن المشهد حيث حتمية الظهور أو وجودها حيث أهمية الابتعاد قد زاد من ضبابية المشهد, لتخرج القرارات إما حدية حيث الأمل في المواءمة أو توافقية حيث ضرورة الحسم والمواجهة. كما جاءت الإحالات المرجعية فيها غير مسئولة في أحايين كثيرة فتارة تنسب للمعاونين و أخري للمستشارين و ثالثة لتكنوقراط من الوزاريين لست أدري لماذا ألحت علي مرحلة الآتونية في العصر الفرعوني و التي ترتبط بحكم الملك أخناتون, وأنا أتابع الأحداث التي يمر بها الوطن وموقف الرئاسة منها. ولكي نقرب الصورة أكثر فقد مرت علي مصر في أوج مجدها كقوة عظمي بالعالم القديم محنة سياسية علي يد ملكها الذي انساق وراء دعوته الدينية دونما اعتبار للأبعاد السياسية وموازين القوي آنداك, بل وترك العاصمة طيبة( الأقصر) خلف ظهرانيه ميمما وجهه شطر عاصمته الجديدة في تل العمارنة بالمنيا. لتنقسم مصر إلي قسمين أحدهما يرتبط بالدولة في صيغتها التقليدية و آخر أعلن ولاءه للنظام الجديد ربما عن اقتناع كامل وربما أكثر لحاقا بالغنيمة المبتغاة من الاقتراب من سدة الحكم, في حين ظلت الغالبية الصامتة في موضع المشاهدة. ويبدو أن المشهد السابق قد أعيدت صياغته في المرحلة الراهنة بعدما دان الأمر للرئيس مرسي فوجدنا الحرس التقليدي للنظام(أي نظام)يهرول مع المهرولين لحاقا بالركب الذي كانت عناصره تستعد للخروج و التسكين إلي حيث أريد لها من التمكين في أوصال الدولة المختلفة, إعمالا للمبدأ الرئيسي للجماعة'' سرية التنظيم و علانية العمل''.الأمر الذي تؤكده كل الشواهد التالية للانتخابات الرئاسية, بعدما تغيرت الخريطة السياسية ظاهريا ليطفو علي الساحة المئات بل الآلاف من المنتمين أيديولوجيا بما يؤكد أن دعاوي الاضطهاد والسجن كانت في دعايتها و إدعاءاتها أقوي كثيرا من الواقع لا سيما بعد المرحلة الناصرية, و كأنها تتمثل دعايات تاريخية عالمية مماثلة باتت تحتاج معها هي الأخري لمراجعات علمية تفنيدا لدعاواها. ولم تكن الخطورة ممثلة في المنتمين تنظيما قدر ما هي فيمن أطلق عليهم( المتأخونون) الذين شابهوا أولئك المهرولين قديما لتل العمارنة, و لكنهم في وقتنا الحاضر قد تعددت لهم سبل الهرولة بتعدد دروبها الإعلامية منها والنيابية والميدانية وحتي الإتحادية. الأمر الذي أفرز صورة باهتة الملامح لمفردات المرحلة, وأصبحت المزاحمة سمة لها من طرف يري أنه أحق بالقيادة وأهلها بعدما قدم المغالبة بدعاوي التضحيات علي المشاركة بتفعيل السياسات. في حين ظن الطرف الآخر أن الالتزام الشكلي بالانضواء كفيل بضمان مكتسبات الإنتماء. كل ذلك ومجموعة الإنتساب الوطني تتلمس السبيل( أية سبيل) للإيهام بالوصاية علي ما تبقي من أنقاض المجتمع والدولة, في مشهد يحاول أن يخرج من نشاز النغمات سيمفونية سياسية شجية. وقد جاء موقف الرئاسة من ذلك المشهد مشوشا بحكم كونها رئاسة ثلاثية الأبعاد, فالبعد الأول منها يرتبط بمؤسسة الرئاسة التي هي لكل المصريين و البعد الثاني للحزب الذي أفرز الرئيس فكرة وليس سخصا وأخيرا الجماعة التي ينساح فيها البعدان الآخران بلا خطوط فارقة. و المستغرب في الأمر أن هذا البعد الثالث الأقل مشروعية هو الأكثر حضورا و فاعلية علي الساحة, وهو ما جعله مطمحا لعملية(التأخون)معيدا للأذهان جنة لجنة السياسات. والواقع فإن ما وصل إليه حال المجتمع يعود بالأساس فيما نري إلي المهرولين من جانب والأبعاد الثلاثة من جانب آخر اللذين شكل وجهي العملة في ضوء غيبة المعايير ولهات الجميع نحو فرض واقع ليس المهم فيه معيارية الحدود قدر إستمرارية الوجود. و بالتالي طغت نبرة أنصاف الحلول في كل مشكلاتنا, بعيدا عن لأدبيات الثورية بفرض شرعيتها أو صناديق الديمقراطية بحكم مشروعيتها. و هكذا ضلت الآتونية الجديدة الطريق الكونها خلطت بين الدعوة والدعاية وبين الدولة والوصاية, في مشهد كالسائر للأمام هو ينظر للخلف بحيث لو استمر في المسير لتعثر ولو تحوط فيه لتوقف. ليصبح دائما هناك طرف غائب في معادلة الوطن و هو الأهداف الحقيقية المراد تحققها, فبات( العيش) بمعناه المجمل عزيز المنال وظلت( الحرية) منقوصة طالما يحكمها ارتفاع الأصوات لا عقلانية القرارات في حين تناثرت مفردات( العدالة الاجتماعية) و صنوها( الكرامة الإنسانية) في الفضاء السياسي الافتراضي بكل ما يتم عليها من مزايدات. ومما لا شك فيه أن غياب الرئاسة عن المشهد حيث حتمية الظهور أو وجودها حيث أهمية الابتعاد قد زاد من ضبابية المشهد, لتخرج القرارات إما حدية حيث الأمل في المواءمة أو توافقية حيث ضرورة الحسم والمواجهة. كما جاءت الإحالات المرجعية فيها غير مسئولة في أحايين كثيرة فتارة تنسب للمعاونين و أخري للمستشارين و ثالثة لتكنوقراط من الوزاريين و رابعة لرموز الجماعة أو قيادات الجبهات, بحيث باتت القرارات في معظمها لا أب لها ولا نسب في طفولة سياسية لاتتفق ومقام لدولة و هيبتها. ليصبح التراجع سمة القرار وللبحث عن المبرر أسبق من الإعلان عنه, والتغييب بالأمل أجدي من الاستنفار للعمل و البكاء علي الاطلال أيسر من التحرر من إسار الأغلال و الخوض في قضايا هامشية أولي من تناول المشكلات المجتمعية. لتصبح المحصلة شبيهة بمثيلتها في سباق المونديال الشهير( لمن ألقي السمع و هو شهيد)!!! كل ذلك و الغالبية العظمي من الشعب سواء من هرولوا في أماكنهم أو استناموا ليريحوا و يستريحوا, إذا بهم يجدون أنفسهم وقد غرقوا في لجة لا قرار لها. و أنه لزاما عليهم أن يدفعوا سفينة الوطن دون معرفة حقيقية بفن العوم أو وجود مجداف, لتعود الشقة أوسع مما كانت مع فارق وحيد أنه من قبل كان الأمل في الخلاص و الآن خلاص و لا أمل. و لتخفق الآتونية الجديدة لكونها لم تستفد من دروس الماضي و علي رأسها ما آلت إليه نظير تها علي عهد أخناتون, و إن كانت الأخيرة قد حملت من القيم ما خلدها في التاريخ.. فيا هل تري ماذا حملت الجديدة بين ثناياها حتي يذكرها التاريخ؟!! أستاذ الحضارة المصرية القديمة كلية الآداب جامعة الإسكندرية رابط دائم :