مقبرة توت عنخ آمون - اخناتون لماذا قرر الفراعنة ان تكون قبورهم علي شاطيء النيل الشرقي قصة أروع أكتشاف مصري أثري في تاريخ البشرية تحتفل شعوب العالم المتحضر في 26 نوفمبر 1922 بتذكار مرور تسعة عقود علي اكتشاف مقبرة الفرعون الشاب »توت عنخ أمون« (الذي يعني بالمصرية القديمة: الصورة الحية للإله أمون)، واسمه الملكي »نب خبرو - رع« (بالمصرية القديمة معناه: سيد أقانيم رع)، وما تبع ذلك من عثور علي نحو خمسة الآف قطعة فنية رائعة خلال عشر سنوات. هذا الكشف كان ولا يزال أغني الاكتشافات في تاريخ الآثار بصفة عامة، الأمر الذي حدا بالجريدة الأسبوعية »نيويورك تايمز« الشهيرة أن تفرد صفحاتها للحدث العالمي بصور تفصيلية نادرة اعتباراً من عددها الصادر في يوم الأحد 18 فبراير 1923. الملك المصري الشاب توت عنخ أمون حكم مصر تسع سنوات فقط ومات في ظروف غامضة وهو في الثامنة عشرة من عمره عام 1350 قبل الميلاد، أصبح موضع اهتمام الناس في أنحاء العالم كله. كما أن مكتشف المقبرة الأثرية، وهما عالم الآثار المصرية البريطاني »هوارد كارتر« (1874 1939) ومموله الثري اللورد "كارنارفون" صارا أيضاً محط أنظار العالم كله من دون أن يسعيا إلي ذلك. التنافر واضح بين اسمي »أمون« و »آتون«. اسم أمون معناه: المختبئ أو الذي لا يُري أو القوة الشاملة لكل شيء. وكان يُرسم علي شكل انسان تارة أو غير ذلك من الأشكال المرئية. وكان يقع قدس أقداسه في آخر المعبد وفي أشد أجزائه ظلمة. ولا يمكن بلوغ هذا المكان إلا بعد تأدية طقوس معقدة لا يُسمح بتأديتها إلا لأشخاص محدودين للغاية. وكان هيكل الإله تتم تغطيته أثناء المواكب العامة بغطاء حتي لا تقع عليه أعين بقية الناس، ويحمله كهنة مختارون مخصصون لتلك الخدمة الكهنوتية. أما »آتون«، فإنه قرص الشمس ذاته الواضح للعيان، فلا يمكن حجبه عن أي إنسان. وكانت المعابد الآتونية مفتوحة للسماء لتتيسر عبادة الإله في صراحة واضحة بعيداً عن الغموض والأسرار، وهذا معناه أن الإله يُعبد بالروح، كما يُعبد بالحقيقة. وليس لآتون شكل إنساني. وانحصرت صلة آتون بالهيئة الإنسانية في أن الأشعة التي تتدلي من قرص الشمس تنتهي بأيدي إنسانية تقدم رمز الحياة إلي العابدين. وتمثيل أشعة الشمس بأيد بشرية قابضة علي علامة الحياة »عنخ« أو بالقبطية »أونخ« يعني بكل جلاء أن الشمس تهب الحياة. وهنا المعني ينصرف إلي تقديس الطاقة مصدر النعم الربانية علي الإنسان. بعدما آلت ولاية العرش إلي أمنحتب الرابع (أخناتون) بعد وفاة أخيه »تحتمس«، بعث به أبوه إلي منف ليتعلم فنون الحرب ويتمرس علي صيد الأسود والغزلان والحمير الوحشية ليقوي بدنه وليكون جديراً باعتلاء عرش الفراعنة الأمجاد. لكن الألعاب الرياضية وفنون الحرب العنيفة لم تستهوه، وآثر تكريس جهوده لدراسة الأدب والفلسفة واللاهوت. وقد ساعده علي تطلعاته هذه قُرب مدينة منف من مدينة »أون« (هليوبوليس أو عين شمس) حيث مركز عبادة رب الشمس بكل اسمائه: »رع«، »أتون«، »خبري«، "حور آختي« ... الخ، والتي أشتهر كهنتها بتساميهم الثقافي مما ظهر أثره في إقبال كهنة المعبودات المحلية الأخري علي ربط معبوداتهم بالشمس بصورة أو بأخري. أقتنع أمنحتب بعبادة الشمس فعبد ربها قبل أن يجلس علي العرش. وفي العام الثامن والعشرين من حكم والده أشركه معه في الحكم، وتزوج من »نفرتيتي« ابنة »آي« أحد الكهنة وكان قائماً علي رعاية الاصطبلات الملكية. انخرط الفرعون قلباً وقالباً في فلسفة اللاهوت، فاستنفذ في ذلك كل طاقاته الجسدية والنفسية والفكرية. رُزق من زوجته بست بنات: ابنتهما الكبري »مريت آتون« تزوجها »سمنخ كارع« ولي عهد أخناتون، وماتت الثانية »مكبت آتون« في حياة أبويها، وتزوج »توت عنخ أمون« الابنة الثالثة "عنخ أس أن با آتون". وغير معروف مصير الباقيات. مات أخناتون عام 1372 قبل الميلاد، ولم يتم العثور علي موميائه حتي الآن!! افتتح أخناتون عهده بإصدار قرار بالشروع في استغلال محجر جبل السلسلة ليستخرج الحجر الرملي لتشييد معبد ضخم في الكرنك للإله »آتون«، ويقع هذا المعبد شرق معبد »أمون«. وأمر الملك بإقامة شاهد حجري في هذا الجبل ليخلد هذه المناسبة. ويذكر فؤاد محمد شبل في كتابه "أخناتون رائد الثورة الثقافية إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1974 أنه لأول مرة في التاريخ المصري يُسجل اسم المعبود الجديد »آتون«داخل "خراطيش" (وهي كتابة هيروغليفية في إطار صغير يُكتب بداخله اسماء الملوك) أسوة بما كان متبعاً في تسجيل اسماء الملوك عند الاحتفال بتوليهم العرش. وقد عمد أخناتون إلي إبراز آتون في صورة تجريدية عبارة عن حفر غائر لشعاع الشمس: قرص يكتنفه رمز الأفعي المقدسة في تاج ملوك مصر الأقدمين وتتدلي من عنقه علامة الحياة (عنخ أو أونخ باللغة القبطية) ويخرج منها العديد من أشعة الشمس تنتهي بأيدٍ بشرية. اعتبر كهنة أمون تشييد معبد ضخم لآتون في الكرنك في قلب مدينة أمون تحدياً خطيراً لمصالحهم الموروثة، وبخاصة وقد اقترن هذا بتغيير الملك اسمه من »آمنحوتب« (أي أمون راضي) إلي »أخناتون« (أي المفيد لآتون). فأصبح الصدام بينه وبين كهنة أمون علي أشده، فنظموا ضده حملات ضارية وروادتهم الآمال في القضاء عليه وعلي عبادته الجديدة التي ينادي بها. واجه أخناتون العاصفة التي يواجهها بالقضاء ومحو اسم أمون من علي الآثار والمعابد. أخذ أخناتون ينادي بالإله الواحد أي بالتوحيد. وإذ وجد أن بقاءه في طيبة يحد من حريته في نشر مبادئه، نقل عاصمته بعد ست سنوات من حكمه إلي مدينة جديدة شيدها وأطلق عايها اسم »آخيتانون« (أي أفق آتون) وتقع في منتصف المسافة بين منف في الشمال وطيبة في الجنوب، والمعروفة حالياً باسم »تل العمارنة«. وشيد المعبد وسط المدينة، وامتدت أبنيتها حوالي 11 كيلومترا من الشمال إلي الجنوب، ونحو كيلومتر ونصف من الشرق إلي الغرب، وحرص أن تغمر الشمس كل مكان فيه إذ ليس هناك أسرار أو أمور مخفية، ونحت الملك وأتباعه لأنفسهم قبوراً علي الشاطئ الشرقي للنيل عكس ما كان متبعاً من قبل من دفن الموتي في البر الغربي. بعد وفاة أخناتون في عام 1372 قبل الميلاد تولي العرش »توت عنخ آتون« وهو لم يتجاوز من العمر عشر سنوات، وأصبح من حقه الشرعي اعتلاء الحكم بزواجه من وريثة العرش الأميرة »عنخ اس ان با آتون« وتم تتويجه بمدينة منف. كان من الصعب عليه وهو صغير السن أن يناضل في سبيل العقيدة الآتونية، كما أن خلصاء أخناتون ومريديه المقربين قد اختفوا بزوال سيدهم أخناتون. وجابهت مصر بعد وفاة أخناتون موقفاً عصيباً للغاية، وكانت علي مقربة من حرب أهلية، وتمزقت أمبراطوريتها العظيمة بسبب تهديد الحيثيين وعدوان البدو، فضاعت هيبة المملكة المصرية وكادت تتحلل حضارتها. فجاء تنصيب توت عنخ آتون إجراء قُصد به الحفاظ علي وحدة البلاد حتي تتمكن من استعادة عافيتها لدفع الأخطار عن كيانها. جاهد من أصبحوا يملكون زمام الأمور من وراء الفرعون الصغير في العودة بالبلاد إلي ما كانت عليه. فأشاروا علي الملك بتغيير اسمه إلي »توت عنخ أمون« كمظهر للرغبة في العودة إلي الأوضاع القديمة. فترك البلاط الملكي آخيتانون وعاد إلي طيبة. وقامت حركة ترميم المعابد التي هدمها أخناتون أو غّير معالمها. وتضاعفت أملاك معابد أمون والتحق بخدمة أمون عدد هائل من الكهنة. وبعد وفاة توت عنخ أمون في ظروف غامضة (ومن المحتمل أن تكون جريمة قتل) جاء بعده "حور محب" القائد العظيم الذي حكم مصر ثلاثين عاماً أمضاها في سبيل استقرار السلام والأمان في البلاد. تلك كانت قصة المعركة الآتونية والأمونية. أما هوارد كارتر الذي اكتشف مقبرة الفرعون الشاب، فقد صرخ مذهولاً بمجرد أن شاهد المقبرة الملكية قال: »أجل، أشياء رائعة«. وفي نهاية الموسم الأول المثير من اكتشاف المقبرة قال كارتر: (كل ما علينا فعله الآن هو أن نقّشر المقابر الملكية كما نقّشر البصلة، وسنكون بعد ذلك مع الملك نفسه). بالحقيقة أنها قصة أروع اكتشاف اثري في تاريخ البشرية تم علي الأرض المصرية التي مازالت تضم العديد من الكنوز التي لم يتم أكتشافها بعد، وستظل الأجيال العديدة الآتية من بعدنا تبحث عن تلك الكنوز التي تركها لنا أجدادنا المصريون القدامي دليلاً علي براعتهم وتفوقهم الحضاري.