لا يزال الحديث قائما علي قدم وساق عن أهمية تضافر الجهود من أجل تفعيل الدائرة الأولي من الدوائر السبع التي تحدثت عنها من أجل تحويل مصر إلي دولة محورية وقوية في الإقليم وحضارية تنطلق في عالم اليوم والتي تبدأ بإعادة اللحمة إلي هذا الوطن الجريح من خلال تفعيل وتأسيس الوطن علي الدائرة الأولي وأضلاعها الثلاثة الممتدة بين المواطن والحكم الرشيد والوطن, وهو ما لن يحدث إلا باستيعاب الدرس الذي مضي وإدراك أهمية ضبط الايقاع بين أطراف هذا المثلث المتساوي الأضلاع والذي ينصب محوره علي جسر الفجوة من انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم كي يتمكن الجميع من العبور بالبلاد إلي بر الأمان وتقليل الخسائر المادية والمعنوية بقدر الإمكان. ولن يحدث هذا إلا من خلال تبديد الشكوك العميقة وعدم اليقين في مصداقية الرئيس ونظامه من قبل غالبية الشعب في وجود تصادم غير مشروع ولا مقبول مع كل مؤسسات الدولة المصرية مما يؤذن بتصدع وهدم لأضلاع المثلث فيظهر فشل النظام علي حقيقته في أول اختبار له في جمع المصريين علي كلمة سواء وهذا يستدعي سرعة التحرك في وجود حسن النية لإيجاد أرضية مشتركة وصلبة لعودة الثقة المتبادلة وتعميقها بين قاعدة المثلث والمتمثلة في المواطن المؤهل ماديا ومعنويا وأحد ضلعيه والذي يمثل الحكم الرشيد وكلاهما يؤدي إلي بناء مجتمع ووطن قوي متماسك ومتراص ومتكامل البنيان يحصل فيه كل إنسان علي حقوقه ويوفي بما عليه من واجبات. وفي المقابل نجد أن أخطر شيء يقوض بنيان الوطن ويؤثر سلبيا بشكل مباشر علي مقومات وجوده وبنائه بل وقدرته ومقدرته علي العمل والبناء والتنمية والانتاج من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في التقدم والازدهار هو في الاستقطاب الحاصل الآن والذي يشعل الجبهة الداخلية فبدأ بهز الثقة في النظام نتيجة أفعاله مع عدم وضوح الرؤية وغياب المعيار وغياب المصداقية عن النظام واتباعه ومن ثم تحولها سريعا إلي فقدان ثم انعدام في الثقة وهذا يؤدي حتما إلي حدوث خلخلة في بنية المجتمع السلوكية والأخلاقية عوضا عن ضعف العمل والانتاج فيدفع بالبلاد إلي منحدر ليس له قرار فيؤدي إلي انتشار الاحتجاجات والاعتصامات في كل مكان والتي يصعب السيطرة عليها ومن ثم تتحول إلي ثورة عارمة في غياب النموذج الذي يصنعه الحاكم بعدله وحلمه وحكمته بدلا من هذا الانهيار فيكون قدوة وسلوكا ومثلا ونموذجا يحتذي به في أقواله وأفعاله. لان بث الثقة في نفوس الناس وشعورهم بالانتماء إلي هذا الوطن هو المعيار والميزان الذي يعجل بإحداث فصول جديدة ومتجددة في التنمية ويدفع بالشعب إلي الجد والاجتهاد والعمل والإنتاج لأن الناس ستحصد في نهاية المطاف ثمرة جهودها وعرقها دون زيادة أو نقصان في وجود العدالة التي تعطي كل ذي حق حقه فيأمن الناس علي وجودهم وحاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم. ومن هذا المنطلق نجح الغرب وأقرانه في تحقيق الحد الأدني من متطلبات الحياة ثم الكفاية والرفاهية مع ضمان وجود جو نسبي يتمتع فيه الجميع بقسط وافر من الحرية والعدالة والصدق والأمانة والشفافية والمساواة والرقابة المادية والمعنوية. في وجود نسيج مجتمعي متكامل بالرغم من تنوعه واختلافه وعلي أثر ذلك تحول كل فرد من أفراده إلي ترس في عجلة الانتاج في وجود الحاكم الذي يقدم النموذج والقدوة والمثل في تقديم مصالح عامة الشعب علي مصالحه الذاتية ومصالح مواليه قولا وفعلا وتقريرا وفي النهاية عندما يكسب الوطن وينمي نفسه يستفيد الجميع من هذه التنمية وعلي رأسها الحاكم يستفيد كما يستفيد كل أفراده وهذه أبسط قواعد فهم الإسلام. أما في بلاد الإسلام فكل مقدرات البلاد توظف من أجل المصالح الذاتية للحاكم وأتباعه أيا كان انتماءه وتتحكم فيها الانتهازية بعد أن أوهم نفسه بحصوله علي توكيل حصري لاحتكار الإسلام لنفسه ولاتباعه فيولي أهل الثقة ويتخلي عن أصحاب الكفاءة مع أن هذا ضد أبسط قواعد الإسلام فيجوع عامة الشعب في الوقت الذي يتمتع فيه الحاكم واتباعه بكل موارد البلاد في غياب الثواب والعقاب بعد أن أطلق سراح مريديه في كل شئون الدولة دون وازع من ضمير أو وطنية أو أخلاق فيسيطرون علي مفاصل الدولة من أجل السيطرة علي السلطة وجمع المال بضمان صكوك الغفران من خلال التمسح بالدين فيتحول الحاكم إلي فرعون دون أن يدري ويصبح أتباعه من أصحاب وأتباع قارون وهامان. وكأن المثل الذي ضربه القرآن الكريم لفرعون وأتباعه مازال دستورا ساري المفعول يطبق في كل العصور وهي معجزة بكل المقاييس في استمرار السلسلة الفرعونية حتي بالرغم من قيام ثورة25 يناير التي أطاحت بالطاغوت والفرعون الذي أحاط نفسه برجال أعمال استولوا علي مقدرات البلاد فيستولي علي السلطة ويطوع الدين في وجود المال وإذا بالتاريخ يعيد نفسه وكأننا ندور في حلقة مفرغة فلم يستوعب الجميع الدرس من في السلطة ومن في المعارضة فأصبح الشعب كالمستجير بالرمضاء من النار. وتأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن فالحاكم الحكيم المفروض أن يحيط نفسه بالخبراء والعلماء والمستشارين التكنوقراط الذين لا هم لهم سوي وضع رؤي واضحة لحل مشكلات البلاد والعباد من خلال أدوات العلم والمعرفة وليس برجال أعمال من أتباعه يسيل لعابهم علي جمع المال من أجل كنز الثروات وإذا وصل إلي مستوي من الإيمان والعقيدة فلا مكان لمصالح عامة الناس في قلوبهم إنما ينظرون إلي مصالح الناس من خلال ما تحققه مصالحهم الشخصية من جني المال وتحقيق الأرباح في وجود التربيطات في السر والعلن وما خفي كان أعظم وفي الكثير من الأحيان فهل هذا كان المأمول من قيام هذه الثورة؟. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :