كلمات مدوية خرجت من أفواه عشرات الملايين من المصريين في كل ميادين وشوارع وحارات مصر يوم ثورة25 يناير تنادي بأعلي صوت الشعب يريد إسقاط النظام الديكتاتوري الفاسد والمستبد والذي حكم مصر علي مدار ثلاثين عاما فأذاق شعبها من العذاب أشكالا وألوانا لا تعد ولا تحصي عند فاقدي الضمير والأهلية فما بالك بعقلاء الأمة وحكمائها الذين تركوا الحبل علي الغارب فصدمنا بخروج رؤوس النظام السابق واحدا وراء الآخر من كل الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب المصري كالشعرة من العجين بدون وجه حق ولا تقدير لمأساة هذا الشعب الصابر علي البلاء دائما. وبالرغم من أن كل الجرائم التي ارتكبت في حق المصريين ليست جرائم جنائية فقط في قتل الشهداء في ثورة25 يناير وإنما يجب أن تطال كل جرائم القتل الممنهج التي إرتكبت في حق المصريين علي مدار الحكم السابق نتيجة الاهمال والقصور الزائد عن الحد في كل ما يمس حياة المصريين في تناول الطعام المسموم بالمبيدات الكيميائية القاتلة والماء الملوث بالصرف الصحي وغير الصحي والأدوية المغشوشة والهواء الملوث وكل هذا كان السبب في إصابة عشرات الملايين من الشعب بالكثير من الأمراض القاتلة التي قتلت الملايين منهم في غياب الرقابة الصحية بل والمبالغة في إهانة الشعب بكل طوائفه وعدم إدراك العواقب المترتبة علي ذلك من قبل الجناة الحقيقيين والملتفين حول النظام والمستفيدين من وجوده في السلطة. ولم تكن الجرائم التي كان يجب أن يحاسب عليها النظام السابق هي جرائم جنائية فقط وإنما كان يجب محاسبته وأعوانه علي كل الجرائم السياسية التي ارتكبها في حق هذا الوطن بشكل ممنهج في السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والبحث العلمي وغيرها فأدت كل هذه السياسات العقيمة إلي وجود معارضة خانعة قبلت علي نفسها أن تقوم بدور الكومبارس من أجل ظهورها في المشهد فأدي كل هذا إلي تخلف البلد وخرابه وتدميره فخان الإثنان الأمانة التي أوكلت إليهما وحملا نفسيهما إياها في كل مجالات الحياة. وسعي بكل همة ونشاط لهدم مؤسسات الدولة وأعاد بناءها علي هواه في غياب العقل والدين وبدلا من أن تصبح هذه المؤسسات صروحا وأعمدة وركائز قائمة يرتكز عليها بنيان الدولة المصرية تم إضعافها من أجل أن تدين له بالولاء كي تسير البلاد علي هواه ولم يدرك يوما ما خطر غضبة الشعب المصري عليه وعلي نظامه. ولأن الانسان هو الأساس في هذا البنيان دأب النظام البائد علي وضع أهل الثقة من أتباعه من ضعاف النفوس والإنتهازيين في قيادة الدولة من أجل تحقيق مصالحه ومصالحهم الشخصية حتي ولو كان ذلك علي حساب الوطن فأدي إلي هدم ثقة الانسان البسيط في بلده بعد أن فقد الثقة في النظام في تحقيق أدني متطلبات حياته فكانت النتيجة إنسانا مسخا مشوها لا يبحث سوي عن مصالحه الشخصية دون وضع مصالح الوطن في الاعتبار. وبعد سنتين من عمر الثورة تعود البلاد إلي الوراء ولم تتقدم خطوة واحدة إلي الأمام فبعد أن قاد الشعب المصري المظاهرات فتم خلع النظام فإذا بنظام آخر يحل محله فتزداد الفرقة والخلافات بين طوائف الشعب المختلفة وبدلا من جمع الشعب تحت راية حب مصر من أجل البناء والتنمية سعي كل فصيل إلي السيطرة علي الأوضاع ودفعت الأمور إلي الإنفلات فكانت الاعتصامات والفوضي والاضطرابات السياسية التي تعصف البلاد. وجاء حكم القضاء الذي برأ النظام السابق من كل الإدانات ونسي الجميع أن المحاكمة لا يجب أن تكون جنائية بل سياسية لأن الخراب السياسي وما تلاه من تدمير مقدرات الدولة كان حجر الزاوية في كل هذه الفوضي التي تضرب البلاد في غياب العقلاء والحكماء وفي وجود المصالح الحزبية التي طغت علي مصالح البلاد. فلو اجتمع المصريون علي كلمة سواء في الحكم والمعارضة لتمكن الشعب من محاكمة النظام السابق بشكل عادل في وجود قضاء مستقل بعيدا عن الاستهداف وكانت النتيجة أن يرتضي الجميع بحكم عادل للقضاء لأن القضاء يحكم طبقا للأوراق التي تقدم له من قبل النظام الحاكم الذي يتحمل المسئولية الكاملة في الإفراج عن أقطاب النظام السابق بعد أن وعد النائب العام الجديد بأنه سيقدم أدلة جديدة لمحاكمة النظام السابق مما يعني أن هناك شيئا يدبر في الخفاء من أجل الإفراج عن النظام المخلوع وأتباعه. ولكن الغريب في هذا المشهد المرعب ومسلسل الفساد والفشل المتوالي الناتج عن سوء إدارة البلاد في وجود حزب التبرير التابع للنظام بالرغم من أن مسئوليته هي دفع البلاد إلي الأمن والاستقرار فهو موجود في الرئاسة والشوري والوزارة بإشراف القضاة علي كل هذه الانتخابات فإذا بنا نفاجأ بهذا الحزب الكارثي وجماعته الذي لا يزال يعتقد أنه في المعارضة يخرج ليتظاهر أمام المحاكم التابعة لوزير عدله فيطالب بتطهير القضاء هدما لدولة القانون مما يؤكد أن هناك مساعي حميمة وكارثية كما يعتقد البعض من أجل السيطرة علي القضاء وكأنه يعتقد أنه مازال في المعارضة, إن المأساة الحقيقية في مصر الآن أن النظام الحاكم مازال يعتقد أنه مازال في المعارضة بالرغم من وجوده في السلطة أليست هذه مأساة أم أنه الإنفصام؟ ولم يدرك أن الدعوة إلي تطهير القضاء تعني إلغاء كل الانتخابات التي جلبته إلي السلطة فيصبح وجوده في السلطة غير مشروع. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :