لم يكن أحد يتوقع أن يصل حال مصرنا الحبيبة إلي الانقسام والأختلاف والتشرذم التمزق في نسيج الوطن الذي كنا نتمني ألا نصل إليه بعد هذه الثورة العظيمة في25 يناير التي جمعت المصريين علي كلمة سواء فشدت من تماسك هذا النسيج وكانت ثورة سلمية مدنية رائعة قدمت نموذجا حيا إلي الدنيا بأسرها من أجل الحفاظ علي أمن الوطن والمواطن فتخلصت من الديكتاتورية والاستبداد. وكان الحلم الذي يراود كل المصريين هو أن يعيشوا بكرامة في وجود دولة القانون التي تدافع عن حرية التعبير وتحمي حقوق الناس في وجود المصلحة العامة التي تسبق كل المصالح الخاصة وتكون صمام أمان ضد استبداد الحاكم وأعوانه, ومحاسبته ووقفه عند اللزوم إذا تعدي علي القانون الذي يجب أن يفصل بين الحاكم والمحكوم علي حد سواء. وكان من المعلوم عند الجميع العامة قبل الخاصة أن مسئولية النظام الجديد تتمحور بالدرجة الأولي حول إيجاد مؤسسات مدنية مستقلة وقوية تضع في الاعتبار مصالح الوطن العليا والدفاع عنه وتمنع تغول سلطة علي أخري من أجل تدعيم الأمن والاستقرار. ولكننا فوجئنا بما لم يكن في حسبان العقلاء والحكماء من الناس بالدعوة إلي الموافقة علي الإعلان الدستوري الزلزال في30 مارس2011 م, والذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير, فتم الاستفتاء علي الإعلان الدستوري بالاتفاق مع المجلس العسكري وعلي أثره سقط دستور1971 وكان الرأي الصائب في ذلك الوقت هو في التوافق علي دستور مؤقت بعدها تتم الانتخابات التشريعية والرئاسية. وفي نفس الوقت كان هناك من يتربص بأمن مصر من أجل إثارة الفوضي بين أبنائه, وتبعه الكثيرون من أصحاب المصالح الخاصة, الذين لم يقدروا الأمور حق التقدير, والذين لم يضعوا مصالح البلاد فوق كل اعتبار, فوقعت البلاد في المحظور وتمت الموافقة علي الإعلان الدستوري المثير والذي علي أثره تمت الانتخابات التشريعية التي أغفلت حق الأفراد المستقلين في الترشح بشكل فردي بعد تغول القوائم الحزبية علي حقهم الدستوري فأصبح المجلس التشريعي باطلا بحكم الدستور والقانون. وبعد أن تمت الانتخابات الرئاسية وجدنا المحكمة الدستورية العليا تعطي الحصانة للرئيس المنتخب في ألا يطعن عليه أحد وبالتالي تخلصنا من إشكالية الطعن علي الانتخابات الرئاسية فاستقرت البلاد واطمأن المصريون علي وجود رئيس منتخب يمثل كل المصريين. ولكن لم تستمر فرحة المصريين طويلا باستقرار الأوضاع من أجل الشروع في البناء والتنمية والبحث بشكل علمي ممنهج عن مصالح الشعب حتي يعوض المصريين عن طول المعاناة والألم التي عانوهما من قبل النظام السابق الذي جوع وأذل وأهان المصريين في الداخل والخارج علي حد سواء. فكانت توابع الإعلان الدستوري الزلزال في صورة هزات ارتدادية متتابعة بقوة وعنف من أجل خلخلة الاستقرار ووضع أمن البلاد وأستقرارها في مهب الريح, فتجمعت كل الأدلة والبراهين أمام المحكمة الدستورية العليا الحارس الأمين علي القانون في هذا البلد عن وجود خلل قانوني في الانتخابات التشريعية, فأبطلته بقوة القانون بالرغم من وجود الخلافات الكثيرة حول صحة حل المجلس التشريعي من عدمه. بعدها دخلت البلاد في نفق مظلم وخطير من خلال الإعلان الدستوري المفاجيء في2012/11/22 م, والذي شكل صدمة كبيرة لكل المصريين المخلصين لهذا البلد, تم من خلاله تحصين قرارات الرئيس والجمعية التأسيسية ومجلس الشوري بإعلان ضد القانون, حتي شعر الكثير من المصريين الغيورين علي دولة القانون بتغول المؤسسة الرئاسية علي السلطة القضائية, بعد أن أصبحت السلطة التنفيذية والتشريعية في يد مؤسسة الرئاسة مما يحمل الرئيس ومستشاريه عبئا فوق طاقتهم وهم محاسبون عنه من قبل الشعب إذا قصروا في الوفاء بإلتزاماتهم في حل مشاكله حتي لو في الحد الأدني فاعتقدوا أن الرئيس يملك كل السلطات بل وأصبح سلطة فوق القانون وفوق السلطة القضائية. ثم تمت محاصرة المحكمة الدستورية العليا بشكل غير حضاري ومهين ومنع بعض من قضاتها من دخول المحكمة في سابقة خطيرة لم يحدث لها مثيل في أعتي الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية, فكان تشويها لصورة الثورة المصرية التي قامت من أجل إقامة دولة القانون والحفاظ عليها كما كان الرئيس يتعهد دائما بالحفاظ علي استقلال القضاء وحماية دولة القانون. بل ومما يزيد الطين بله ويجعل الإنسان العاقل حيرانا, فيشعر بالحزن الشديد علي ماآل إليه حال القانون ووضع المحكمة الدستورية العليا في البلاد, أنه لم يسمع أحد عن إعلان أو بيان من قبل مؤسسة الرئاسة يدين ما يحدث حول هذه المحكمة الأولي في مصر, وكأن هناك ثأراين هذه المحكمة وبين مؤسسة الرئاسة أو كأنها موجودة خارج القطر المصري عوضا عن عدم وجود تعليق من أي من المؤسسات الرسمية في الدولة ومن الحزب الحاكم بعد أن هانت عليهم دولة القانون. بل وتعدت توابع هذا الإعلان الدستوري العاصف فأدي إلي خلق انقسامات كبيرة وهائلة بين مكونات الشعب المصري فانعكس ذلك الخلاف والانقسام علي كل مؤسسات الدولة القائمة فانقسمت إلي قسمين بين الموافقين والمعارضين, بل ووصل هذا الانقسام الخطير إلي المساجد فوجدنا تحزبات في المساجد مما يساهم بشكل حقيقي في تشويه صورة الإسلام في نفوس الناس والذي يجب أن يكون محصنا وبعيدا عن الأهواء السياسية التي تتسم بالكذب والغش والاحتيال, والتي قد تجر البلاد لا سامح الله إلي هاوية ليس لها قرارا. في وجود أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بأمن واستقرار البلاد, وفي وجود ثلة من المحرضين عليها وسعي حثيث من الخبثاء من أجل تقويض بنيان الدولة, ولم يلتفت إليها بعض السذج, والذاهبة إلي تدمير البلاد بشكل ممنهج وحثيث وسريع حتي تسقط بين أيدي الطرفين المتخاصمين, في غياب مصلحة مصر العليا بالرغم من أن السعي إلي التوافق والبحث عن حلول عاجلة ومستعجلة هو أقرب إلي النظام الحاكم من حبل الوريد. والاستفتاء علي الدستور المصري في هذا الوقت العصيب, خطر علي مصر, في عدم إدراك لعواقبه, في وجود ثقة مبالغ فيها من قبل النظام وأتباعه في الحصول علي موافقة الشعب هو من قبل الكبر والغرور لأنه لايجب أن يكون موجودا بين من يريدون وجود توافق ولو في الحد الأدني لأن النتيجة المترتبة علي ذلك ستكون نذير شئوم علي مصر وأول من يكتوي بنارها النظام الحاكم وأتباعه ومعهم الشعب المصري الصابر علي هذا البلاء. وفي عدم اهتمام المؤسسة الرئاسية برأس مستشاري الرئيس, وعدم أخذ رأي الشعب المصري علي محمل الجد, وتجاهل رأي المعارضة ومطالبها, سيؤدي لا محالة إلي وجود انقسام خطير وشرخ لايمكن رتقه وسيكون الشعب المصري هو الضحية مع العلم أن استمرار هذا الحال سيكون من المحال. ان مصر تبحث عن مخرج ملح ولا مكان فيها للكبر والعناد وضيق الأفق وغياب الحنكة السياسية عن القابضين علي صناعة القرار, فالتوافق الوطني بين مختلف القوي السياسية واجب وفرض عين علي القائمين علي أمر البلاد وهو الحل الوحيد لإيجاد أرضية مشتركة من أجل جمع شمل الأمة المبعثرة وهذه مسئولة الرئيس المنتخب وحزبه الحاكم. ويجب أن نذكر الرئيس ومستشاريه الذين دائما يتحدثون باسم الإسلام أن الرسول صلي الله عليه وسلم تراجع عن رأيه في غزوة بدر الكبري نزولا علي رأي سيدنا حباب ابن المنذر طالما أن ذلك يصب في الصالح العام للمسلمين, ونذكره بالقاعدة الفقهية التي تقول: إن دفع الضرر مقدم علي جلب المصلحة ولذلك كان لزاما علي المؤسسة الرئاسية ألا تستخف بهذه المظاهرات العارمة والمعارضة له والتي خرجت تطالبه بإعادة تعديل المسار واستعادة دولة القانون وحماية المحكمة الدستورية العليا ومنع التظاهر حولها, والاستماع إلي صوت الشعب قبل فوات الأوان.