بطول مصر وعرضها يرتكب الناس مخالفات من كل الأنواع, فهذا يبني علي الأرض الزراعية, وذاك يزرع أنواعا من المحاصيل غير مرخص بها, وآخر يبني في منطقة عشوائية. و المخالفون عندنا لا يأبهون بالقانون و عقوباته التي قد تكون أقل مما ينبغي, أو أنهم واثقون من قدرتهم علي تعطيل تنفيذ القانون, وهذا هو الأرجح. ففي عام الانتخابات يشعر المواطنون بقوة موقفهم, فالأحزاب والقوي السياسية والمرشحون المستقلون كلهم يتمنون كسب ود الناخبين, ومطالب الناخبين لا تقف عند تحسين الخدمات, وإنما تصل أيضا إلي التغاضي عن المخالفات وهي كثيرة. غير أن المخالفين يتفاوتون في القدرة علي مساومة المرشحين والقوي السياسية والضغط عليهم في عام الانتخابات. فكلما زادت أهمية المخالفة, وزاد عدد مرتكبيها, زادت قدرة أصحابها علي المساومة. فأصحاب المخالفات الفردية غير المتكررة فرصتهم فليلة في الفوز بما يريدون.أما أصحاب المخالفات المتكررة والتي تمثل ظواهر اجتماعية واقتصادية خطيرة فإن قدرتهم تكون أعلي علي المساومة. يحدث هذا بشكل خاص في الريف والمناطق العشوائية التي تمثل فيها المخالفات ظاهرة عامة. ففي الريف يتورط الآلاف من الفلاحين في البناء علي الأرض الزراعية, ويتورط آلاف غيرهم في زراعة محاصيل مخالفة, خاصة الأرز, في أراض تقع خارج النطاق المخصص لذلك. أما في المناطق العشوائية حيث كل المباني مخالفة بشكل أو بآخر, فللجميع مصلحة في إلغاء قرارات الإزالة, أو في توصيل المرافق للمباني المخالفة رغم القوانين التي تمنع ذلك. في إرضاء الآلاف من المخالفين مصلحة أكيدة للمرشحين الذين سيدعي كل منهم الفضل في وقف تطبيق القانون. ينطبق هذا علي مرشحي الحزب الوطني الأكثر قربا من مواقع التأثير في صنع القرار, كما ينطبق علي مرشحي أحزاب المعارضة والمستقلين الذين رغم كلامهم الكثير عن الإصلاح وتطبيق القانون, فإنهم يتبنون قضية المخالفين, ويأخذون في المزايدة ضد الحكومة التي تطبق القانون بلا رحمة. ما نشهده في عام الانتخابات من إلغاء جماعي للمخالفات هو نوع من التواطؤ الوطني المعمم, مع أننا جميعا نخسر الكثير بسبب هذه الممارسة. فكل قطعة أرض زراعية نخسرها لأنشطة البناء يتم خصمها من أرضنا الزراعية المحدودة, وكل فدان تتم زارعته بالأرز يستهلك نصيب محاصيل أخري من المياه, وكل حي عشوائي يتم الترخيص له سيمثل عبئا ثقيلا علينا جميعا لعقود قادمة. فهل أصبح موسم الانتخابات لدينا مناسبة لتسريع الإصلاح, أم أنه فرصة لتكريس المخالفات والتخلف أيضا.