في شارع قصر العيني بوسط القاهرة، حيث يوجد أهم مباني السلطتين التشريعية والتنفيذية، بدت مفردات الحياة اليومية أمس مثل سابقاتها، زحام لا يطاق للسيارات، وناس من كل صوب وحدب يتحركون في جميع الاتجاهات لتخليص مصالحهم في الوزارات والدوائر الحكومية التي تمتلئ بها المنطقة. علي رصيف مجلس الشوري عاد عمال أمونيستو إلي الاعتصام مرة أخري، في مشهد بدا مألوفا، فالتظاهرات والاعتصامات علي هذا الرصيف أصبحت دائمة، مثل ديمومة قانون الطوارئ الذي كان يستعد مجلس الشعب لتمديده عامين آخرين. أمام مجلس الشعب وبجوار مجلس الوزراء وقف عشرات من أعضاء الأحزاب والحركات السياسية، تحيط بهم قوات الأمن التي اعتادت مثل هذه الوقفات، كما اعتادت أيضا التعامل معها بمنتهي السهولة واليسر. قطع هذه الرتابة اليومية حدث غير عادي نشهده كل عامين وهو التمديد لقانون الطوارئ، حيث يخرج رئيس الوزراء بسيارته، مسافة لا تزيد علي عشرة أمتار لتتوقف في مواجهته تماما داخل أسوار مجلس الشعب ليبدأ في إلقاء بيان يطلب فيه من نواب الشعب الموافقة علي مد العمل بقانون الطوارئ الاستثنائي. وباستثناء العشرات الذين نظموا وقفتهم الاحتجاجية الاعتراضية، وبعض النواب الذين عارضوا تحت قبة البرلمان، لم يتخل رواد شارع قصر العيني عن عاداتهم اليومية، الانتظار في زحام السيارات، والحركة السريعة علي الأرض من المشاة للحاق بموظف يملك ختم النسر، قبل أن يزوغ من عمله! آلاف المارة الذين يعبرون هذا الشارع المهم في قلب القاهرة لم يتوقفوا، ولو بدافع الفضول، ليعرفوا ماذا يحدث داخل البرلمان، وربما لا يعنيهم من قريب أو بعيد مد حالة الطوارئ من عدمه، فهذا جزء من العلاقة الغريبة بين المصريين والسلطة، فالمصريون غالبا لا تشغلهم التشريعات والقوانين، تعديلها أو تعطيلها، طالما لم تؤثر علي دائرة الحياة اليومية الضيقة جدا. فحين يجري البرلمان تعديلا علي قوانين البناء لا يهتم الناس كثيرا بما يدور تحت قبة البرلمان، لأن المصريين يعرفون جيدا، طرق الالتفاف علي القوانين، وكيف يبنون في العشوائيات دون تراخيص، وهم يدركون أيضا أنه في كل انتخابات عامة ستصدر تسهيلات تقنن جميع المخالفات. يتظاهر العمال حين يتعلق الأمر بدخولهم وخصخصة شركاتهم وفصلهم من العمل، وعدم الحصول علي حوافز، ويتظاهر سائقو سيارات النقل رفضا لقانون يمنع المقطورات، لأن هذا يعني التأثير علي لقمة العيش، ويغضب سكان العشوائيات لنقلهم إلي مناطق جديدة، لأنها بعيدة ولا تصلها المواصلات حتي لو كانت تتيح حياة آدمية غير متوافرة في العشوائيات. لكن المصريين لا يغضبون لمد العمل بقانون الطوارئ، ولا لتحويله من حالة استثنائية إلي دائمة، ولا يغضبون لأن رئيس وزرائهم تعهد قبل عامين بعدم مد قانون الطوارئ، وعاد عن تعهده أمس، وهو أمر في دول أخري قد يستدعي استقالة الحكومة.. ولا يهتمون كثيرا بتخفيف بعض قيود هذا القانون.. ربما لأنهم لا يعنيهم، كما لا يعنيهم بنفس القدر من وقفوا خارج مجلس الشعب.. ولا رفضي للطوارئ المحسنة!