قابلني صديق محام سافر في منتصف الثمانينيات للعمل في إحدي الدول العربية وكان متخصصًا في التصدي لطائفة من الأشخاص يطلق عليهم مافيا الأراضي وكان معروفًا بحنكته القانونية في التصدي لجميع ألاعيبهم القانونية وتعرض منهم لمحاولات الترغيب بمحاولة شراء ضميره المهني. ورفض ومحاولات ترهيبه وفشلت أيضا وكان يعرف جيدا أماكن ومكاتب المحاماة التي كانت تعمل كمعامل قانونية لهذه المافيا وأذكر أنني قابلته في بداية الثمانينيات وهو يصرخ ويقول المعامل القانونية للمافيا بعد أن كانت لا تتجاوز مكتبين في مصر الجديدة وثلاثة مكاتب في الجيزة اخرجت عشرات المكاتب، الأخطر من ذلك أنها استطاعت أن تجتذب شخصيات ذات نفوذ ومراكز اجتماعية مرموقة تساندها وتدعمها في الاستيلاء علي أراضي الدولة والمواطنين بوضع اليد وألاعيبهم تتم باستخدام قرارات النيابة العامة بالتمكين أو إقامة دعاوي صحة التوقيع بعد البيع لأكثر من شخص والحصول علي حكم بالتسليم واستلام الأرض بمحضر رسمي ووصل الأمر إلي الاستيلاء علي شقق الأجانب غير المقيمين بتلك الدعوي الصورية ويساعدهم أصحاب النفوذ بعدة طرق في تسهيل تنفيذ الأحكام والقرارات التي تم الحصول عليها بطريق التحايل أو اعتماد التقسيمات العشوائية المخالفة وإجراء الصلح وتقنين أوضاع غصب الأراضي مع أجهزة الدولة بأسعار زهيدة. ويستخدمون السياسة وسيلة لإغراء أصحاب النفوذ بتحويل مغتصبي الأراضي إلي عدد من بطاقات التصويت الجاهزة للتصويت في اتجاه معين ولمرشح معين في مقابل الحماية لهم وهي لعبة استهوت أيضا المرشحين بل عمدت المافيا للايقاع بهم والتورط معهم في عمليات غصب الأراضي ليصبحوا أصحاب مصلحة مشتركة، وتمادت المافيا في عملها وأصبحت تخترق القوانين المنظمة لأعمال البناء. ووصلت الأبراج إلي عنان السماء تحت بصر رجال الأحياء وتحررت ملايين المخالفات وصدرت ضدهم أحكام بمليارات الجنيهات وإزالة آلاف الأدوار لكن لم ولن ينفذ منها شيء وستصبح هذه البؤر العشوائية والأبراج المخالفة شاهدة عبر العصور علي انهيار دولة القانون، وعلي سيطرة الفساد والمافيا. فمن يا صديقي سيدفع ويتحمل عبء ضياع مليارات الجنيهات التي دخلت جيوب هؤلاء المفسدين بالطبع المواطن الشريف الذي لم يكن شريكًا في هذا الفساد إنني وغيري لم نعد قادرين علي الصمود في مواجهة مافيا الفساد إنها تحولت إلي وحش كاسر مفترس وأشبه بالأخطبوط الذي تمتد أذرعه في كل اتجاه وفي كل يوم يزداد توحشها وترتفع مكانة أصحابها لأنهم مثل الحية الرقطاء تتلون بحسب البيئة التي تعيش فيها وتتحين الفرصة لالتهام فريستها. واليوم عاد صديقي ليقول: أخذت سيارتي لا تجول في المرج الدنيا تغيرت هناك كثيرا وصبيان المافيا بقوا معلمين والناس بتنادي عليهم يا حاج فلان ولديهم جمعيات حج وعمرة ويمارسون ذات التجارة يقطعون الأراضي الزراعية ويبنون العشوائيات الجديدة وبعد أن كانت تجارة شركات أصبحت تجارة أفراد من أجل الهروب من الضرائب ومعروفين زي الشمس وسرقة الأراضي في مناطق نفوذهم أمر شائع واستئجارهم للبلطجية لزوم تخليص المشاكل والحماية أمر معروف ورغم ذلك هم بعيدون تماما عن قبضة الأجهزة الأمنية وهو أمر يثير الدهشة رغم أن المعروف عنهم أنهم وراء كل عملية فساد وافساد ويقول صديقي إن أحد معارفه قال له إن الهيبة التي يتمتع بها هؤلاء جعلت الكثيرين يشعرون أن مخالفة القانون في هذه المنطقة هي مصدر الهيبة. وينتقل صديقي إلي الحديث سريعا عن عزبة الهجانة ويصرخ في حديثه كيف وصل امتداد العزبة من طريق السويس إلي منطقة زهراء مدينة نصر رغم وجود جزء كبير تابع لمنطقة سيادية. كيف استطاعوا الاستيلاء عليه وهناك أبراج لشخصيات نافذة ومعروفة مبنية علي أراضي دولة اتغير شكل الناس بقوا ببدل وأصحاب مشروعات تجارية رجال بيزنس وسياسة والمعلمين القدامي وصبيانهم يعيشون تحت حمايتهم وإذا خرجت إلي شوارع مدينة نصر لا تعرف إذا كنت تعيش في حي راق أو عشوائي حالة فوضي في الشوارع والمحلات والسيارات والمباني المخالفة تخرج لك لسانها وهو صورة كربونية لما حدث في كل أحياء القاهرة الأخري مثل منشأة ناصر والدويقة وإسطبل عنتر وعشوائيات حلوان وغير ذلك كثير وفي الجيزة أنا فاكر عصابات سرقة الأراضي في شارع الهرم وفيصل التي استطاعت أن تفرض قانونها وحولت المنطقة بالكامل إلي بؤر عشوائية تخيل أنك تجد في حارة لا يتجاوز عرضها 6 أمتار عقارًا من 17 دورًا من الذي سمح بذلك وهل يد القانون لا تطول هؤلاء المخالفين؟ وهل تم تحصيل المخالفات منهم؟ وهل تمت معاقبة الموظف المسئول عن التقصير في تنفيذ الأحكام؟ قرأت في الصحف المصرية بعد انهيار عقار في مدينة نصر إنه تم القبض علي مسئول تنفيذ الأحكام لأنه أخفي 13 ألف حكم وتراخي في تنفيذها فيه كام موظف من النوع ده أكيد كثيرا! ويتساءل صديقي وأنا معه من المسئول عن ترك مافيا الأراضي وصانعي العشوائيات دون ملاحقة أو محاسبة وترك مليارات الجنيهات تضيع علي الدولة ينعم بها الخارجون علي القانون ويتمتعون بألقاب تجعلهم من وجهاء المجتمع وهو ما يفقد المواطن شعوره بمبدأ سيادة القانون . وهل نجعلهم يفلتون من الملاحقة بكل هذه المغانم رغم أنهم معلومون بأشخاصهم وبأعمالهم في المجتمعات التي يعيشون فيها؟ هل حصيلة هذه الأموال كفيلة بدعم خدمات التعليم والصحة بدلا من فرض ضرائب جديدة علي المواطن العادي الشريف؟ اسئلة الاجابة عنها لدي الأجهزة الرقابية ووزير المالية.