لم يعد ممكنا والحال علي ما هو في مصر أن نتجاهل ضرورة تنظيم حق التظاهر بعد أن أصبح حقا يمارس يوميا في مناطق عديدة علي أرض مصر. لقد أثمرت مسيرة الإصلاح السياسي متغيرات جوهرية في الثقافة المصرية, وباتت ثقافةالاحتجاج جزءا من حياتنا اليومية يصعب منع الناس عن ممارستها خصوصا بعد أن خرجت من إطار النخبة و امتدت إلي المطالب الفئوية للمواطنين. وفي المقابل لا يمكن إعتبار العديد من أشكال الاحتجاجات المتكررة في الشارع المصري بمثابة تظاهر مشروع, إذ أن الفارق كبير بين التظاهر للتعبير عن الرأي و بين الاحتجاج المتواصل. ما نراه الأن عبارة عن احتلال بعض المحتجين لمرافق عامة مثل الأرصفة يستخدمها آخرون, وهي مخصصة لأغراض, لا يمكن تعطيلها لفترات غير محدودة, خصوصا إذا تجاوزت الممكن و تواصلت لأسابيع طويلة. وفي الوقت ذاته فإن الحكومة لا تستطيع منع هؤلاء المحتجين من ممارسة حقهم في المطالبة بحقوق لهم يرون أنها محجوبة عنهم لأسباب لا تخصهم. إذن نحن أمام متغيرات مهمة تقتضي تحقيق التوازن بين ممارسة الحقوق الشخصية في التعبير الاحتجاج و بين حقوق المجتمع في الانتفاع بالمرافق العامة دون الانتقاص منها. هذا التوازن لا يمكن أن يتحقق من دون تشريع يحدد الحقوق و مساحتها و قواعدها و إجراءاتها شأنها شأن تنظيم كل نشاط يتم داخل الدولة, بهدف إعلاء كلمة القانون في تنظيم العلاقات داخل الوطن. التشريع المطلوب كما هو معمول به في كل بلدان العالم, في جزء منه يحدد المسئوليات, ويحدد الأطراف المعنية, ويضع المسئولية علي كاهل كل طرف, ووفقا لذلك يمكن المحاسبة وبشدة لمن يتعمد أو يهدف لإهدار القانون و إهانته و الإضرار بالصالح العام. مسيرة الديمقراطية بلغت مرحلة تقتضي التدخل بتشريع لتنظيم ممارسة حق التظاهر. [email protected]