من المتفق عليه أن العنف يؤدي إلي العنف.. وأن العنف في تلك المرحلة التي تمر بها البلاد مرفوض.. شكلا وموضوعا.. كما أنه من المتفق عليه أيضا أن التليفزيون كجهاز إعلامي قد حل محل الأسرة في تعليم الطفل. حتي إن أفلام الكارتون التي تذيعها بعض القنوات المتخصصة في ذلك هي المسئولة عن طريقة نطق الأطفال السريعة للكلمات, بل وحركتهم السريعة أيضا تقليدا لما يرون ولما يسمعون.. فماذا إذن عن الإعلانات التي تتكرر يوميا وعلي مدي كل ساعات اليوم, وفي جميع القنوات, داعية إلي العنف.. إن الإعلان الواحد يعرض عشرات المرات كل يوم. ولاشك أن الأطفال تنجذب إلي الإعلان أكثر بكثير مما تنجذب إلي الأعمال الطويلة التي تعرضها الشاشة, ذلك أن الطفل يميل أكثر إلي العروض القصيرة الحركية, ولذلك يحرص الإعلان علي أن يتسم بتلك الصفتين علاوة علي الإثارة, ونحن لا نعترض علي ذلك, لكننا نعترض علي بعض الإعلانات التي لا يهمها إلا مصلحتها فقط, ولو عادت بأسوأ الأثر علي المشاهدين, خاصة الأطفال. وقد رأينا إعلانا عن أحد أنواع المشروبات المأخوذة من الشعير يحمل عنوان استرجل لمن يشربه.. كأن من لا يشربه لن يتصف بالرجولة.. كما أن هناك إعلانا آخر يذاع يوميا لعشرات المرات يحمل ثلاث صفات سيئة يدعو إليها دون أن يدري, هي: العنف والكذب وإشاعة اليأس.. وهو إعلان عن أحد المشروبات الغازية أيضا.. إذ تستبدل زجاجة المشروب الأصلي بمشروب آخر في الظلام, ولأنها كما يقول الإعلان ) لا تستبدل(, لذلك نري المعلن وهو شاب صغير أحيانا وفتاة صغيرة أحيانا أخري, يثور ويكسر كل ما حوله) عنف( وهو يقول إنه انصرف من المكان في هدوء) كذب(, ثم وهو الأخطر, أن كلا من الفتي والفتاة ينهي قوله بجملة) لا تصدق أحدا, فقد انعدم الضمير بين الناس(, وهو تصريح غير أخلاقي بالمرة ويحمل اليأس الكامن, خصوصا للنشء. ** * إن تكرار تلك الإعلانات يثبت المفاهيم الخاطئة لا في العقل الواعي, وإنما في العقل الباطن أو اللاشعور كما يقول علم النفس فتترسخ فيه وتجعل الإنسان يتصرف حسب ما رأي وما سمع دون نقاش, وهذا هو مواطن الخطر, خصوصا علي الأطفال.. فالطفل يتلقي من التليفزيون دون أن يفهم أو يناقش.. فهل نحمي أطفالنا بعرض تلك الإعلانات المسمومة علي رقابة واعية أولا؟.. أم أن المسألة أصبحت فوضي؟