الدستور الامريكي غير المكتوب أحد اشهر الكتب التي أحدثت ضجة سياسية كبيرة مؤخرا وقت نزوله الاسواق لأن مضمونه يناقش مواضيع حساسه سياسيا وفكريا لم تناقش من قبل. ولكن قبل ان نتحدث عن الكتاب وموضوعه دعونا أولا نتحدث عن كاتبه والذي يعد كاتبا غير تقليدي بالمرة ويستحق الثناء كما أنه عالم دستوري متمرد يدرس بكلية الحقوق بجامعة ييل الامريكية وهو أخيل ريد عمار الذي يتميز بعرض الاراء والافكار السائدة في المجتمع الامريكي من مختلف الجوانب السياسية بطريقة محايدة. يري عمار أن الدستور الامريكي غير مكتمل في مواده وانه يشير إلي دستور أخر غير مكتوب, وهو عبارة عن نصوص غير مكتوبة تعمل جنبا إلي جنب مع الدستور الامريكي موضحا ان فكرة وجود دستور غير مكتوب هي فكرة قد يساء استخدامها من قبل القضاة والعلماء سواء من اليساريين أو اليمينيين منهم. جدير بالذكر ان الدستور الامريكي هو أقدم دستور مكتوب حيث دعا الكونجرس الامريكي إلي كتابته في مؤتمر عقده في الرابع عشر من مايو عام1784 ويتضمن7 مواد فقط. وقد مر بالكثير من التعديلات اولها التعديلات العشرة المسماة وثيقة الحقوق والتي اقترحت في الخامس والعشرين من سبتمبر1789, وتم إقرارها في15 ديسمبر1791, ثم كان التعديل الحادي عشر المقترح في مارس1794 والذي تم إقراره في فبراير1795, وتوالت التعديلات حتي بلغت سبعة وعشرين تعديلا, آخرها التعديل السابع والعشرين المقترح في25 من سبتمبر1989 وتم إقراره في7 من مايو1992. وبعد الدستور الأمريكي وثيقة علمانية لا يذكر فيها أي شيء يتعلق بالله أو الدين حيث لم يحدد الديانة الأساسية للولايات المتحدة. ويقول عمار انه دائما ما اتهم الفقهاء لليبراليين وعلماء القانون بأنهم فشلوا في فهم المعني المضمون للدستور حيث لم يفسروا هذه المواد في سياقها التاريخي ولكن يفسرها كل منهم بما يخدم قضاياه. ويقر أن هذه النصوص لغير المكتوبة هي من اختراع القضاة الأمريكيين لإرضاء الميول الشخصية, وأنه لابد من قراءة النصوص في ضوء السياق التاريخي والأوراق الفيدرالية وغيرها من الأوراق التأسيسية التي تمثل الجانب غير المكتوب من الدستور وتعطي الدستور المكتوب تفصيلاته وروحه. وتاريخيا ليس الليبراليون وحدهم هم من اتهموا بهذا ففي اثناء الثورة الصناعية قامت محكمة يسيطر عليها المحافظون بالغاء قانون دولي ينص علي تقييد ساعات العمل بناء علي الحق الضمني لحرية التعاقد بين صاحب العمل والعمال واتهم وقتها اعضاء المحكمة باستغلال هذا الحق لخدمة اغراضهم الايديولوجية. كذلك في عام1965 ومع التحرر الجنسي اكتشفت المحكمة العليا التي يهيمن عليها الليبراليون احد القوانين لغير المكتوبة وهي الحق في الخصوصية واستخدمته, بحجة انه ليس هناك مادة دستورية تشير إلي الزواج أو تحديد نوعية العلاقات أو تحديد النسل. مثل هذا الدوافع الايديولوجية الناتجة من تأثيرات سياسية أو مؤسسية ادت إلي قلق الكثيرين فعلي الرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص صراحة علي مبدأ الرقابة القضائية علي دستورية القوانين إلا أن هذا الأمر كان مفهوما ومتوقعا ومقبولا لدي واضعي هذا الدستور. وبعد حكم المحكمة العليا بقيادة رئيس القضاء جون مارشال في قضية ماريري وماديسون تتابعت وتلاحقت أحكام المحكمة المتعلقة بالرقابة القضائية حيث أسرفت المحكمة العليا الأمريكية بشدة في تطبيق المبدأ وأبطلت وألغت عددا لا يستهان به من القوانين تأسيسا علي عدم دستوريتها مما أثار حفيظة عدد من المحاكم ورجال السياسة وقد ادان بعض الفقهاء وشراع القانون الدستوري هذا الاتجاه خاصة عندما خرجت المحكمة علي النهج الدستوري خروجا واضحا وجنحت جنوحا شديدا نحو إملاء وتطبيق فلسفتها ووجهة نظر أغلبيتها فيما طرح أمامها من أمور اجتماعية ومسائل اقتصادية ومشاكل سياسية. وواجه لينكولن المحكمة الدستورية في قضية دريد سكوت اتي لم تعتبره المحكمة العليا مواطنا امريكيا بل تابعا امريكيا وبالتالي ليس من الشعب فلم يمنح الزنوج حق المواطنة إلا بعد الحرب الاهلية. وقد حذر توماس جيفرسون من ان قبول المراجعة القضائية للمواد الدستورية من شأنها ان تضع البلاد تحت استبداد الاوليغارشيه وهي ما يعرف ب حكم القلة ومؤخرا سعي الفقاء الدستوريون لمعالجة هذه المشكلة من خلال تطوير طرق التفسير الدستوري. ويمضي بنا عمار مازحا مستهزءا من اكتشافه ان النسخة الخاصة بالدستور والتي تستخدم غالبيتها في المدارس ليست النسخة الأساسية من الدستور التي تم التصديق عليها وطباعتها يوم28 سبتمبر1787, لأن بها اختلافات في الكلمة وعلامات الترقيم التي لا تبطق مع النسخة الأصلية.