عرضت جريدة الواشنطن بوست كتاب للمؤلف أخيل ريد عمار بعنوان " دستور أمريكا الغير مكتوب الذي نعيشه " ، وهو عبارة عن نصوص غير مكتوبة بالدستور الأمريكي وتعمل جنبا إلى جنب مع الدستور الامريكي . ويعتبر كتاب عمار أفضل الكتب التي عالجت هذا الموضوع على مردى عقود عديدة ، فهو استطاع تحليل هذا الجانب من خلال دراسته وعمله كأستاذ القانون والسياسة بجامعة بيل ، فنجده يظهر كم الاتحاد بين النصين المكتوب وغير المكتوب من الدستور ليبدو كقطعة القماش المنسوجة التي لا تنفصم عن بعضها البعض . يبدأ الكتاب بتحذير أن الكتاب ليس للقراء ضعاف القلوب ، ذلك بأنه يعالج جانب أكثر أهمية وصعوبة من ميثاق الأمة الامريكية الأساسي ، وهي مهمة أكثر ما تكون بتصوير صورة هذه الأمة لنفسها في المرآة . فعمار يفتح حلقة مفقودة من التاريخ الأمريكي وهي الحلقة الخاصة بأعضاء مجلس الشيوخ عندما كانوا يتناقشون ويتقاتلون حول محاكمة الرئيس أندرو جونسون لإقالته عام 1968 ، ويدرسون حق السيناتور بنجامين فرانكلين واد في التصويت له كرئيس لمجلس الشيوخ ثم رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية . وقد تم عزل أندرو جونسون الذي شغل منصب رئيس أمريكا بعد اغتيال الرئيس لنكولن ، وبعد عزله تم أداء اليمين الدستورية لبنجامين رئيسا لأمريكا وهو ما انتقده الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ بينما صمت الباقيين لوجود المصلحة الكبرى في عزل جونسون . وفي ضوء المواد القانونية والدستورية الأمريكية يجدها عمار مبهمة ولا تؤدي إلى ما توصل إليه مجلس الشيوخ من تولية فرانكلين . فهذه النتيجة لا تتفق مع روح الدستور ككل وروح المواثيق في البلاد . وبالمثل نجد المؤلف يرسم صورة حية معاصرة لهذا الأمر وهي التعديلات التي جرت بشأن ثورة الاقتراع النسائية والمناداة بحق المرأة في التصويت ، وتم إقرار التعديلات لإعطاء المواطنات حق التصويت ،وذلك لأن الدستور غير المكتوب في أمريكا هو الدستور الذي يحظى بسيادة شعبية في أمريكا ، ولذا استطاعت المرأة من خلال الدفع لسن القوانين التي تنظم حقوقها في العديد من المجالات . ويوجهنا إلى فصل " تذكر السيدات " الذي يذكرنا أن التصديق على تعديل 1920 بشأن حق المرأة في التصويت لم يأتي إلا في سياق مؤتمر حماية حقوق المراة التي دفع إلى التصديق عليه . يقر عمار أن هذه النصوص الغير مكتوبة ليست إلا سوى شعيرات دقيقة من اختراع القضاة الأمريكيين لإرضاء الميول الشخصية ، وأنه لابد من قراءة النصوص في ضوء السياق التاريخي والأوراق الفيدرالية وغيرها من الأوراق التأسيسية التي تمثل الجانب غير المكتوب من الدستور وتعطي الدستور المكتوب تفصيلاته وروحه . فنجد أحيانا كلا من جانبي الدستور المكتوب وغير المكتوب يتعارضان مثلا : نجد التساؤل حول إذا ما كان من الممكن القبض على الرئيس خلال سفره بالخارج وتوجيه التهم إليه للسلوك إجرامي ارتكبه ، ويأتي جواب الدستور بإجابة غير قاطعة وهي " ربما لا " ويحيلنا الكاتب إلى ضرورة مطالعة الكتاب لمعرفة سبب احتمالية عدم إمكانية القبض على الرئيس والزج به في السجن . ويمضي بنا عمار مازحا ومستهزء من اكتشافه ان النسخة الخاصة بالدستور والتي تستخدم غالبيتها في المدارس ليست النسخة الأساسية من الدستور التي تم التصديق عليها وطباعتها يوم 28 سبتمبر 1787 ، فبها اختلافات في الكلمات وعلامات الترقيم التي لا تنطبق مع النسخة الأصلية . ويقول عمار أن النص الأكثر أثارة للاهتمام هو تصوره الخاص لدستور الولاياتالمتحدةالامريكية في المستقبل الخاص ببعض الامور مثل نظام الذي يمكن اختيار الرئيس الاكثر شعبية ووطنية بحلول عام 2020 ، والسماح للمهاجرين بالترشح لمنصب الرئاسة أسوة بالمواطنين . يعرض المقال بجريدة الواشنطن بوست كين غورملي أستاذ وعميد كلية الحقوق بجامعة دوكنس ، ومؤلف كتاب " الموت والفضيلة الامريكية : كلينتون يرفع الستار " .