إذا كانت الدول تتوافق علي ضرورة توفيرأقصي درجات الحماية لرؤسائها فإنها تختلف حول مبدأ محاسبتهم فالأمر مختلف بين الديمقراطيات التي تضع رؤسائها تحت نصوص دستورية وقانونية لا تعرف المجاملة وبين الدكتاتوريات التي تغض الطرف عن محاسبة رؤسائها لخلطها الدائم بين سيادة الدولة وحصانة رؤسائها. فالدستورالأمريكي علي سبيل المثال ينص في الفقرة الرابعة من مادته الثانية علي أن رئيس البلاد ونائبه أوأي مسئول حكومي أخر معرض لعقوبة العزل من منصبه اذا وجه له الكونجرس اتهاما بالخيانة أوالرشوة أو غيرها من الجرائم الكبري أوالجنح وثبتت ادانته بها. وتعود فكرة اتهام الرؤساء في الولاياتالمتحدة الي القرن الثامن عشر عندما وجد بنجامين فرانكلين- احد مؤسسي الولاياتالمتحدة-ان الوسيلة التاريخية للتخلص من الحكام الفاسدين كانت بالاغتيال, لذا اعتبر انه من الافضل اعتماد طريقة جديدة ممنهجة للتخلص منهم وازالتهم من مناصبهم. ولم يوجه اتهام لأي من الرؤساء الأمريكيين علي مدي تاريخ الولاياتالمتحدة الا لاثنين فقط, أولهما كان الرئيس اندرو جونسون الذي اختلف مع الكونجرس حول كيفية التعامل مع الجنوب ابان فترة الحرب الأهلية الامريكية وقام بعزل وزيرالدفاع حينها وتعيين آخر, فرفض الكونجرس ذلك وأعاد وزير الدفاع لمنصبه, فعاد جونسون ليعين أخر مكانه. هنا وجهت لجونسون تهمة انتهاك قانون حيازة السلطة وكاد مجلس الشيوخ يعزله لولا نجاته بفارق صوت واحد.والرئيس الثاني الذي وجه له الكونجرس الاتهام وبرأه مجلس الشيوخ فيما بعد, كان بيل كلينتون علي خلفية فضيحة مونيكا لوينسكي وانكاره في البداية علاقته بها, فوجهت له تهمة شهادة الزور وتضليل العدالة لكن مجلس الشيوخ برأه في فبراير.1999 أما الرئيس ريتشارد نيكسون, فرغم تورطه في فضيحة ووترجيت فإنه استقال من منصبه كرئيس للولايات المتحدة في أغسطس عام1974 قبل التصويت علي اتهامه في مجلس النواب, لذا فهو لم يوجه له اتهام رسمي من الكونجرس, وفيما يخص الشق الجنائي, فقد تمت محاكمته الا أن الرئيس الأمريكي جيرالد فورد أصدر بحقه عفوا رئاسيا في سبتمبر.1974 وإذا كان النظام ذاته معمولا به في الدستور البريطاني حتي قبل أن يجد طريقه الي الدستور الأمريكي, فإنه في العصر الحديث ينظر اليه علي أنه عفا عليه الزمن, وأصبحت محاسبة المسئولين تخضع لحق البرلمان في سؤال الحكومة والاستفسار من المسئول المختص عن أي شيء يتعلق بنطاق صلاحياته, الذي يكون بدوره ملزما بالاجابة بشكل واف.اما عزل المسئول فيكون عن طريق سحب الثقة منه دون اللجوء للاجراءات الطويلة شديدة التعقيد الخاصة بالاتهام والادانة ومن ثم العزل. وفي فرنسا, يكفل الدستور بموجب التعديل الذي أجراه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عام2007 علي المادتين67 و68, حصانة للرئيس تستمر طوال فترة حكمه وتنتهي بخروجه من القصر الرئاسي, أي أنه لاتجوز مقاضاة الرئيس أو طلبه للشهادة أمام اي جهة قضائية, فضلا عن كون الرئيس غير مسئول عن أي اعمال تمت خلال فترته الرئاسية عدا ان يطلب للامتثال أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أن تعلن المحكمة العليا للبلاد اقالة الرئيس بناء علي طلب البرلمان الفرنسي اذا فشل في أداء واجباته بشكل يعوق استمراره في حكم البلاد. وعلي هذا الأساس جاءت محاكمة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك العام الماضي بتهمتي استغلال السلطة واختلاس أموال عامة لقيام بلدية باريس بدفع رواتب لوظائف وهمية ابان شغل شيراك منصب عمدة المدينة في الفترة ما بين1977 و.1995 ولم يتسن للرئيس الفرنسي السابق حضور محاكمته التي عقدت في سبتمبر الماضي لاعتبارات صحية حيث يعاني من مشاكل عصبية خطيرة وضعف في الذاكرة, كما خفف الحكم من السجن لعشرة سنوات وغرامة مالية بقيمة150 الف يورو الي السجن لعامين فقط مع ايقاف التنفيذ للاعتبارات ذاتها.ويعد شيراك اول رئيس فرنسي يمثل أمام القضاء منذ محاكمة الرئيس الأسبق المارشال فيليب بيتان بتهمة الخيانة العظمي عام1945 لتعاونه مع النازيين, وهي المحاكمة التي انتهت بالحكم علي بيتان بالاعدام ثم خفف الحكم فيما بعد الي السجن مدي الحياة. ومن اشهر الرؤساء الذين مثلوا كذلك امام القضاء كان الرئيس الاسرائيلي السابق موشيه كاتساف الذي حكم اسرائيل في الفترة ما بين عامي2000 و2007 واضطر للاستقالة من منصبه ليمثل أمام القضاء وسط اتهامات باغتصاب موظفات مكتبه والتحرش بهن. وحكم علي كاتساف بالسجن لمدة سبع سنوات في مارس2011, ليكون بذلك اول رئيس اسرائيلي سابق يحاكم ويدخل السجن لقضاء فترة عقوبته. وبموجب القانون الاسرائيلي, فان الرئيس يتمتع بحصانة مزدوجة الأولي موضوعية وتعني عدم سؤال الرئيس عن أي أقوال أو آراء تصدر عنه ليتمكن من أداء واجباته علي أكمل وجه, أما الحصانة الثانية التي تسمي بالاجرائية, فهي تحمي الرئيس من اتخاذ أي إجراءات جنائية ضده. ومن أمريكا اللاتينية تأتي عدة نماذج لكونها أكبر معقل للجمهوريات الرئاسية في العالم, فهناك رئيس بيرو الأسبق البرتو فوجيموري الذي خضع لأربع محاكمات قضائية متتالية أدين فيها جميعا, فالأولي كانت عام2007 عندما اتهم فوجيموري باستغلال نفوذه كرئيس للبلاد وأمر بتفتيش ومصادرة منزل زوجة مدير المخابرات السابق فلاديميرو مونتيسينوس, فحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات. وخلال قضائه فترة العقوبة, مثل فوجيموري امام القضاء للمرة الثانية في ابريل2009 بتهمة انتهاك حقوق الانسان خلال حرب حكومته في التسعينيات مع ميليشيات اليساريين, ليحكم عليه مجددا بالسجن لمدة25 عاما. وآخر المحاكمات كانت في سبتمبر2009 وانتهت بادانه الرئيس الأسبق بتلقي الرشاوي فحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات. كما قدمت الاكوادور نموذجا آخر من خلال الرئيس عبدالله بوكرم صاحب الأصول اللبنانية والمشهور في الاكوادرو باللوكو أو المجنون علي خلفية عزل الكونجرس له في فبراير1997 بعد ستة أشهر فقط من توليه مهام منصبه.وعزا الكونجرس السبب الي عدم أهليه الرئيس الذي يعاني خللا في قواه العقلية. والحقيقة أن القدرات العقلية لبوكرم لم تخضع للفحص مطلقا, كما أن القرار الذي مرره الكونجرس في الاكوادور لم يحقق الشرط المنصوص عليه في الدستور بضرورة موافقة ثلثي المجلس علي عزل الرئيس قبل اقالته بشكل رسمي, اذ صوت44 نائبا بالموافقة مقابل رفض.34كما أن نقل الصلاحيات فيما بعد تجاوز نائب الرئيس لتوكل الي رئيس المجلس, وهو ما طعنت فيه المحكمة الدستورية في الاكوادور حينها معتبرة الخطوة غير دستورية, لكن المجلس تجاهل قرار المحكمة واعتمد رئيس المجلس رئيسا انتقاليا. والي جانب اجراءات العزل والاقالة والزج في السجون, قد يصدر بحق الرؤساء أحكام بالاعدام كما حدث مع نيكولاي تشاوشيسكو في ديسمبر1989 بعد محاكمة اعتبرت الأشهر والأقصر في التاريخ الحديث. فالرئيس الروماني الأسبق مثل أمام محكمة عسكرية ثورية بتهمة قتله المتظاهرين الذين خرجوا في ربوع البلاد اعتراضا علي الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة. وعقب ساعتين من قراءة القاضي للائحة الاتهام ومحاولة تشاوشيسكو المستميتة للدفاع عن نفسه,صدرالحكم باعدام الرئيس وزوجته رميا بالرصاص ونفذ في الحال امام كاميرات العالم لتنتهي اسطورة الدكتاتور الذي حكم البلاد طيلة24 عاما مع احتفالات عيد الميلاد. وبعيدا عن تشاوشيسكو تعتبر محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين الاكثر حضورا في اذهاننا, اذ تعود الي اكتوبر2003 عقب احتلال الولاياتالمتحدة للعراق, ليصدر في النهاية بحق الرئيس العراقي المخلوع الحكم بالاعدام, نفذ فجر يوم30 ديسمبر2006 مع احتفالات العالم الاسلامي بعيد الاضحي المبارك.