فقد أصحاب السواد الأعظم من المتاجر التي تعج بها شوارع العاصمة اليونانية أثينا الأمل في تحسن أحوالهم, فقرروا تصفية نشاطهم, ليمني قطاع الأعمال الصغيرة في أرض الفلاسفة بواحدة من أقسي الضربات في تاريخه الحديث. وذلك جراء تداعيات أزمة تلال الديون السيادية التي ترزخ تحتها البلاد, والتي يبلغ حجمها أكثر من أربعمائة وتسعة وعشرين مليار دولار. لكن ثمة أناس آخرون أيضا بدأت تظهر عليهم بوادر اليأس من إمكان تحسن الوضع المالي للدولة اليونانية قريبا, إنهم باختصار مسئولو الاتحاد الأوروبي, وصندوق النقد الدولي, والبنك المركزي الأوروبي الذين كتبوا لمصلحة أثينا طوعا أو كرها شيكات إنقاذ بمبالغ طائلة تصل قيمتها إلي مائتين وأربعين مليار يورو. ثمة معطيات أخري صارت تشي شيئا فشيئا بأن القائمين علي إنقاذ أثينا من حافة الإفلاس يبدون وكأنهم يحرثون في البحر. فقد كشف مسئولون أوروبيون عن أن أثينا بعيدة تماما عن المسار الاقتصادي السليم, وأنه من المرجح أن تعجز عن سداد ديونها. كما كشف مصرف سيتي بنك الأمريكي عن أن احتمال خروج اليونان من مجموعة اليورو قد قفز إلي90%, وأن أثينا قد تجبر علي الخروج من نادي العملة الأوروبية الموحدة خلال سنة علي الأكثر. أكثر من ذلك فقد طالب أحد نواب البرلمان الألماني بأن تعمد أثينا من الآن إلي دفع نصف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين بالدرخمة( أي بالعملة اليونانية القديمة) كخطوة مبدئية علي طريق خروجها الحتمي من نادي اليورو. كما حذرت السويد من أن اليونان ستعلن علي الأرجح إفلاسها علي الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذل لإنقاذها. لكن ماذا لو وقع ما وصفه البنك المركزي اليوناني بسيناريو جهنم في دراما أزمة الديون السيادية اليونانية, ألا وهو انسحاب أثينا من نادي اليورو, الرمز النقدي الأكبر لأضخم اتحاد اقتصادي في التاريخ الحديث؟ ولكن هل توجد أصلا آلية سياسية رسمية تحدد طريقة خروج هذه الدولة أو تلك من منطقة اليورو التي تضم في عضويتهاسبع عشرة دولة؟ ثمة إجماع علي أن الآباء المؤسسين لنادي اليورو لم يكن يخطر ببالهم وهم يصيغون قبل19 عاما معاهدة ماستريخت التي حددت قواعد الانضمام لهذا النادي, لم يكن يخطر ببال هؤلاء قط أنه سيأتي يوم تفكر فيه دولة عضو في الانسحاب من ناديهم. ونتيجة لذلك أن أصبح نادي اليورو يتمتع ببوابة دخول, لكن ليست له علي الإطلاق آلية خروج رسمية. معني هذا أنه إذا قررت اليونان أو أجبرت علي الانسحاب فإنها ستنسحب من الاتحاد الأوروبي كله, وهو الأمر الذي سيشكل سابقة تبدو خطيرة, سابقة قد توسوس لدول أخري كي تقترف الفعلة نفسها لتفلت من القيود الثقيلة لعضوية اليورو. هذا الأمر قد ينذر بتداعي الصرح الوحدوي الأوروبي علي نحو قد يصيب الاقتصاد العالمي برمته بنكسة قد ينزلق معها في هاوية كساد كبير. وفي حالة انسحاب اليونان من منطقة اليورو, فإنها ستعمد علي الأرجح إلي العودة إلي عملتها القديمة, الدراخمة, ولكن في ثوب جديد, دراخمة ستكون علي ما يبدو محدودة المصداقية, لتشهد الدولة علي الأرجح أشرس موجة غلاء ربما في تاريخها الحديث جراء انهيار تجارتها الخارجية, وعجزها عن تدبير المال اللازم لشراء السلع الأساسية. ويعني هذا السيناريو حسب محللين احتمال اندلاع فوضي اقتصادية عارمة قد تجعل اليونان تتحول إلي ما يشبه دولة فاشلة تترعرع في تربتها التيارات السياسية المتطرفة التي من المرجح أن يغذيها فقر وصل معدل من يعيشون تحت خطه القاسي الآن إلي30%.