ظاهريا تتصاعد حدة الخلافات الأمريكية الإسرائيلية, ووصف سفير تل أبيب لدي واشنطن الأزمة بين البلدين بأنها غير مسبوقة منذ نحو ثلاثة عقود ونصف العقد, أي منذ منتصف السبعينيات, وبينما تتواصل التحليلات الأمريكية والإسرائيلية التي تشرح أسباب الأزمة وتعدد النتائج التي يمكن أن تترتب عليها, يسود في عالمنا العربي نوع من التحليل المعلب الذي يلح علي المواطن العربي ليل نهار, بأن ما يجري بين واشنطن وتل أبيب مجرد مسرحية لخداع الفلسطينيين والعرب, وأن تل أبيب تمسك بتلابيب واشنطن, بل أنها تقود واشنطن إلي حيث تريد هذا التحليل ينطلق من مقولات عربية تقليدية تقف عند مرحلة الحرب الباردة, تري إسرائيل أداة للدول الغربية للولايات المتحدة وقاعدة متقدمة للغرب في المنطقة, حاجز بين شرق العالم العربي وغربه, مطرقة ثقيلة تستخدم لضرب التوجهات القومية واليسارية القريبة من الشرق الاشتراكي والمعادية للغرب الرأسمالي, ومشكلة هذا التحليل اليوم أنه يقاوم التغيير أي يقاوم أخذ المتغيرات الجديدة بعين الاعتبار, كما أنه يرفض قراءة المتغيرات الجديدة التي جرت منذ أكثر من عقدين مع انتهاء الحرب الباردة, يصر علي رؤية إسرائيل رصيدا ثمينا للسياسة الخارجية الأمريكية, في وقت انتهت فيه الحرب الباردة منذ عقدين من الزمن, تخاوي حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتي, اقتربت روسيا الاتحادية من الغرب كثيرا, والتحقت معظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي بالمؤسستين الغربيتين الأكبر, الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الاطلنطي, أما إسرائيل نفسها فقد انتقلت من رصيد ثمين للسياسة الأمريكية في المنطقة إلي عبء ثقيل علي هذه السياسة, وبدا الأمر واضحا في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي, عندما قام صدام حسين بغزو الكويت, وسعت واشنطن إلي تشكيل تحالف دولي من أجل تحرير الكويت, هنا بدت إسرائيل عبئا ثقيلا, فالمطلوب إبعادها عن المشهد تماما, وإلا فان الدول العربية لن تشارك في العمل العسكري, كما ترغب واشنطن, وطلبت تل أبيب ثمنا باهظا من واشنطن للوقوف خارج المشهد لاسيما بعد سقوط صواريخ صدام حسين في بعض المناطق داخل إسرائيل, ومرة ثانية بدت إسرائيل عبئا ثقيلا علي واشنطن عندما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق شامير الانتظام في عملية التسوية السياسية التي قررتها إدارة جورج بوش الأب في نهاية1991 بعقد مؤتمر مدريد, وقد دفع شامير ثمن الصدام مع واشنطن بأن أخفق في انتخابات1992, التي فاز بها حزب العمل بزعامة اسحاق رابين بعد أن عاقبه بوش الأب بتجميد ضمانات قروض بقيمة عشرة مليارات دولار. بمرور الوقت بدأت واشنطن تدرك أن السياسات الإسرائيلية باتت تمثل عبئا ثقيلا عليها, ورغم أن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر2001, جاءت لتعطل عمل آليات التباعد أو الاختلاف الأمريكي الإسرائيلي, إلا أن انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة كان بمثابة الإشارة علي معاودة عمل هذه الآليات من جديد وقد سبق ذلك ظهور كتابات في الولاياتالمتحدة تتحدث صراحة عن أن شقا رئيسيا من الصورة السلبية لواشنطن في العالم العربي يعود بالأساس إلي المكون الإسرائيلي في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية, وأكد أصحاب هذا التوجه أن مساحة التلاقي بين الولاياتالمتحدة والعالم العربي يمكن أن تكون أكبر بكثير من مساحة التنافر لو غلب المكون الأمريكي علي نظيره الإسرائيلي في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة, باختصار رأي أصحاب هذا التوجه أن إسرائيل هي السبب الأبرز لكراهية الولاياتالمتحدة في العالم العربي, وأن اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة بات يضر بمصلحة واشنطن في الشرق الأوسط, وجاء انتخاب باراك أوباما لرئاسة الولاياتالمتحدة ليكون بمثابة الترجمة العملية لرغبة الرأي العام الأمريكي في تغيير التوجهات التي حملتها إدارة بوش الابن. وجاء خطاب أوباما في جامعة القاهرة في الرابع من يونيو2009, دليلا علي هذه التحولات, فقد تحدث أوباما عن أن الدولة الفلسطينية المستقلة تمثل مصلحة للأمن القومي الأمريكي, وجاءت حكومة نتيانياهو في ابريل2009 لتكشف أبعاد التحولات في الموقف الأمريكي, فقد طالب أوباما بوقف شامل للاستيطان قبل بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية, سواء المباشرة أو غير المباشرة, كما أشادت إدارة أوباما أكثر من مرة بأداء السلطة الوطنية وتحديدا رئيس الوزراء سلام فياض, ومشروعه لوضع أسس الدولة المستقلة أولا, ومن ثم يصبح إعلان قيامها تحصيل حاصل علي غرار ما جري مع الدولة اليهودية في مايو1948, فقد كانت بنيتها موجودة قبل صدور قرار التقسيم, ما أن صدر القرار حتي رفع العلم والتحقت الدولة بالأمم المتحدة, وخاضت حروبا مع جيوش عربية تمكنت علي إثرها من احتلال نصف المساحة التي خصصها قرار التقسيم للدولة العربية. إذا واشنطن تري أن التسوية السياسية للقضية الفلسطينية علي أساس حل الدولتين يمثل مصلحة جوهرية لها, وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية رغم الإشارات الأمريكية المتكررة بضرورة التجاوب مع مساعيها, نشير هنا إلي تعليق إدارة أوباما علي آخر زيارتين لرئيس الحكومة الإسرائيلية إلي واشنطن, لا صور تذكارية, لا مؤتمرات صحفية لا أحاديث عما جري, أيضا بدأت واشنطن تلوح ببدائل للمفاوضات تتمثل في إمكانية فتح طريق العرب أمام مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار ينص علي قيام الدولة الفلسطينية المستقلة مع ضمان مرور القرار, وهو ما تلقفه رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض فشدد علي إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة في أغسطس2011, أيضا هناك حديث إسرائيلي جري عما يطلقون عليه نهاية عهد الحماية السياسية الأمريكية لإسرائيل في مجلس الأمن وأن دولا أوروبية غربية تستعد لفتح طريق الفلسطينيين أمام مجلس الأمن الدولي. باختصار الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حقيقي, وغير مسبوق, وبقي علي الدول العربية أن تجيد قراءة الأحداث والوقائع, وأن تجرب مفارقة نظرية المؤامرة التي أدمنتها مع شعوبها.