يامصر عودي زي زمان... ندهة من الازهر وادان.. يا مصر عودي زي زمان.. تعصي العدوين وتعاندي.. يا مصر لسه عددنا كتير.. لا تفزعي من بأس الغير.. يا مصر ملو قلوبنا الخير.. وحلمنا ورد مندي. ما أحوجنا هذه الأيام لهذه الكلمات الحماسية التي كتبها نجيب شهاب الدين ولحنها الشيخ إمام عيسي, يا مصر قومي وشدي الحيل لم تغب عن شباب الثوار في كل ميادين الثورة ولم يغب معها صوت الشيخ إمام الذي تمر هذه الأيام ذكري رحيله السابعة عشرة. الشيخ إمام(2 يوليو1918 7 يونيو1995), ولد في قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة وأصيب في السنة الأولي من عمره بالرمد الحبيبي وفقد بصره فقضي طفولته في حفظ القرآن الكريم وكانت له ذاكرة قوية. وكان والده يحلم أن يكون ابنه شيخا كبيرا لكن إمام كان له رأي اخر فكان يندس في مواسم الأفراح والحج, وسط الحريم ليسمع غناءهن فنشأ صاحب أذن موسيقية, كما لازمه حب الاستماع للشيخ محمد رفعت. وبعد أن أقام الشيخ إمام في القاهرة بحي الغورية امتهن الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم, وكسائر أحداث حياته التي شكلتها الصدفة التقي الشيخ إمام بالشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقي, وأعجب به الشيخ الحريري بمجرد سماع صوته, وتولي تعليمه الموسيقي, واصطحبه لجلسات الإنشاد والطرب, فذاع صيته وتعرف علي كبار المطربين والمقرئين, أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح. وفي منتصف الثلاثينيات كان الشيخ إمام قد تعرف علي الشيخ زكريا أحمد عن طريق الشيخ درويش الحريري, فلزمه واستعان به الشيخ زكريا في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها, حيث كان زكريا لا يحب الحفظ فاستمر معه إمام طويلا, وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها, وكان إمام يفاخر بهذا. حتي أن ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم بدأت تتسرب للناس قبل أن تغنيها أم كلثوم, مثل أهل الهوي وأنا في أنتظارك وآه من لقاك في أول يوم والأولة في الغرام فقرر الشيخ زكريا الاستغناء عن الشيخ إمام. كان لهذه الواقعة أثر في تغيير مسار الشيخ إمام مرة أخري عندما قرر تعلم العزف علي العود, وتعلم علي يد كامل الحمصاني, وبدأ الشيخ إمام يفكر في التلحين حتي إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحول لمغن واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية. وفي عام1962م, التقي الشيخ إمام بالشاعر أحمد فؤاد نجم رفيق دربه, وعندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحن فأجابه الشيخ أنه لا يجد كلاما يشجعه, وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة. أنا أتوب عن حبك أنا؟ أنا لي في بعدك هنا دنا بترجاك الله يجازيك يا شاغلني معاك, وشاغلني عليك وأن غبت سنة أنا برضه أنا, لا أقدر أنساك ولا لي غنا, ولا أتوب عن حبك أنا. بهذه الأغنية ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيون ثم تلاها اغاني عشق الصبايا, وساعة العصاري, واتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع محمد علي, وكونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء لم تقتصر علي أشعار نجم فغني إمام لمجموعة من شعراء هذا العصر أمثال فؤاد قاعود, وسيد حجاب ونجيب سرور, وتوفيق زياد, وزين العابدين, وآدم فتحي, وفرغلي العربي وغيرهم. لكن إرتباط إسم الشيخ إمام بالأغاني الحماسية والثورية جاء بعد التحول الذي لحق به بعد هزيمة حرب يونيو1967 فغني الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا يا محلي رجعة ظباطنا من خط النار, وويعيش أهل بلدي وبينهم مفيش تعارف يخلي التحالف يعيش, ووقعت م الجوع ومن الراحة البقرة السمرا النطاحة, وسرعان ما اختفت هذه النغمة الساخرة الانهزامية وحلت مكانها نغمة أخري مليئة بالصحوة والاعتزاز بمصر مثل مصر يا أمة يا بهية يا ام طرحة وجلابية. انتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم وفتحت لهما أبواب الإذاعة والتليفزيون, لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه علي الأحكام الي برأت المسئولين عن هزيمة1967, فتم القبض عليه هو ونجم ولكن أطلق سراحهما, لكن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهام حتي حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية. قضي الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتي نصر أكتوبر ينقلان من سجن إلي آخر حتي أفرج عنهما بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. في منتصف الثمانينيات تلقي الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا, فلاقت حفلاته إقبالا جماهيريا كبيرا, وبدأ في السفر في جولة بالدول العربية والأوروبية لإقامة حفلات غنائية لاقت كلها نجاحات عظيمة, وللأسف بدأت الخلافات في هذه الفترة تدب بين ثلاثي الفرقة الشيخ إمام ونجم ومحمد علي عازف الإيقاع لم تنته إلا قبل وفاة الشيخ إمام بفترة قصيرة. وفي منتصف التسعينيات آثر الشيخ إمام الذي جاوز السبعين العزلة والاعتكاف في حجرته المتواصعة بحي الغورية ولم يعد يظهر في الكثير من المناسبات كالسابق حتي توفي في7 يونيو1995 تاركا وراءه أعمالا فنية نادرة.