عاش الراحل الكريم أغلب سنين عمره بين كواليس الإذاعة واستوديوهاتها كصحفي في مجلة الاذاعة يكتب أخبار الاذاعة وينقد برامجها ويشارك في تقديم العديد من هذه البرامج, تزاملت مع محمد جلال سنوات عديدة في إحدي لجان المجالس القومية المتخصصة وهي لجنة التراث الحضاري رحل عن دنيانا الفانية قبل أسابيع الصديق العزيز محمد جلال الأديب والصحفي والروائي الذي صال وجال في دنيا الصحافة والأدب والرواية, صاحب قهوة المواردي وعطفة خوخة وبنت أفندينا وغيرها من الروايات التي ملأت أرجاء حياتنا الأدبية بمعان جميلة وابداع حفل برسم ملامح القاهرة بحاراتها وأزقتها وضواحيها, وأنا أعتبر محمد جلال إذاعيا فذا إضافة إلي كونه أديبا وروائيا, فقد عاش الراحل الكريم أغلب سنين عمره بين كواليس الإذاعة واستوديوهاتها كصحفي في مجلة الاذاعة يكتب أخبار الاذاعة وينقد برامجها ويشارك في تقديم العديد من هذه البرامج, واذكر انه في السنوات التي احتل فيها رئاسة تحرير مجلة الاذاعة, فإنه جعل من المجلة مرآة عاكسة لمجتمع الميكروفون والشاشة, وكانت الغلبة في الموضوعات التي تتزين بها صفحات هذه المجلة لبرامج الراديو والتليفزيون, يقدمها بقلمه وينقدها بفكر الناقد الاذاعي المغموس بالرؤي الاذاعية والمنصهر في بوتقة العمل الاذاعي, ولعلي لا أتجاوز الحقيقة عندما أقول إنه قدم العديد من إبداعاته الروائية والقصصية لتكون مادة خصبة للدراما في الاذاعة والشاشة الصغيرة, بل إن بعضا من هذه الإبداعات تلقفته السينما وقدمته في أفلام جميلة ورائعة, وكم من مسلسلات إذاعية دخل بها محمد جلال كل بيوتنا وخاطب من خلالها جماهير المتلقين الذين كانوا يتلهفون علي أعماله ويستقبلونها بكل الحفاوة والتقدير, خاصة وانه كان يخاطب البسطاء من سكان الأحياء الشعبية, خاصة حي السيدة زينب الذي يبدو انه نشأ فيه وترعرع وعاش بين أهله وصادق سكانه, ولعلي في هذا السياق أذكر أن محمد جلال هو الذي استحثني علي الكتابة في الصحف والمجلات, فقد بادرني في مطالع الثمانينيات عندما كان يرأس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون بالرغبة في أن أكتب بابا أسبوعيا للمجلة ولم أخيب له ظنا, فكتبت بابا بعنوان خواطر إذاعية وظللت أقدم هذا العمود علي مدي حوالي ربع قرن في مجلة الاذاعة, ولما كان أسلوب محمد جلال يتميز بالسلاسة التي تتسلل إلي أذن المستمع, لذلك حالف النجاح كل المسلسلات التي قدمها للميكروفون, وكان لها صداها لدي المتلقين, وأعجب كيف لا تعيد الاذاعة تقديم هذه المسلسلات بعد أن نضب فيها معين الدراما الاذاعية وأصبحت ميزانياتها لاتسمح إلا بمسلسل يقدم في شهر رمضان, إن مسلسلات محمد جلال يمكن أن تسد نقصا في خريطة الاذاعة التي كادت تخلو تقريبا من دراما متميزة, وهي مسلسلات لايمل منها المستمع مهما أذيعت مرة ومرات. وقد تزاملت مع محمد جلال سنوات عديدة في إحدي لجان المجالس القومية المتخصصة وهي لجنة التراث الحضاري وقد كانت مناقشاته في اللجنة خاصة ما يتعلق منها بآثار مصر الفاطمية تدل علي سعة معرفته بهذه الأمكنة التي دارت فيها الكثير من أحداث رواياته, وكانت رؤاه في كثير من الموضوعات التي ناقشتها اللجنة محل التقدير, ومنذ حوالي عامين أو أكثر رأيته في أحد اجتماعات اللجنة سعيدا وروحه المعنوية في أوجها رغم ما كان يعانيه من تعب بسبب ما ألم به من مرض. وفاجأني بأن طلب مني أن أكون ضيفا من ضيوف مناقشة رسالة دكتوراه تتناول أعماله الروائية, وكان ذلك في كلية الألسن بجامعة عين شمس. وكانت سعادته غامرة وهو ونحن معه نشهد صاحب الرسالة وهو في نقاش ثري مع أعضاء اللجنة حول أعمال محمد جلال, محمد جلال الصديق والانسان كان يقول كلاما طيبا ويكتب أعمالا طيبة فيها عبق الأصالة وشذي التاريخ.