هل انتصرت الولاياتالمتحدة في حربها الضروس علي الأراضي الأفغانية ضد تنظيمي القاعدةوطالبان؟ قد يكون من المنطقي للغاية أن يطرح هذا التساؤل السياسي نفسه علي الرأي العام الأمريكي والعالمي. بعد إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطة كبيرة لسحب ثلاثين ألف جندي بحلول صيف العام المقبل, ليصل عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان إلي سبعين ألف جندي بدلا من مائة ألف جندي حاليا. انتصار أم هزيمة وقد أكد أوباما في هذا الصدد مجددا إصراره علي أن المهمة القتالية لبلاده ستنتهي بحلول عام2014 باختصار كان أوباما قد تعهد بإعادة الجنود الأمريكيين إلي أحضان بلادهم, وها هو يفي بوعده.. ولكن يظل نفس التساؤل هل انتصرت أمريكا في الحرب الأفغانية؟ وهل سيعود هؤلاء الجنود لوطنهم لأنهم فعلا انجزوا مهمتهم علي الوجه الأكمل؟ وهل أتت المهمة العسكرية الأمريكية هناك- وهي المهمة التي تكبدت فيها الولاياتالمتحدة دماء غزيرة وأموالا طائلة- أكلها.؟ كان أوباما واضحا تمام الوضوح في عدم استخدام كلمة انتصار في وصف نتيجة الصراع الأمريكي في أفغانستان, وبدلا من ذلك تحدث رئيس أكبر دولة في العالم من حيث القوة العسكرية عن تحقيق أهداف وعن وفاء بتعهدات. وتقول مجلة نيوزويك ان أوباما تعمد استخدام القاموس الدبلوماسي المعاصر في التعبير عن الوضع الأمريكي في أفغانستان, وأن هذا القاموس لا توجد به كلمة انتصار علي الإطلاق لأن علم السياسة المعاصر يعتبر كلمة انتصار كلمة عفا عليها الزمن وأن آخر عهد العالم بها- حسب القاموس السياسي المعاصر- كان في ثمانينيات ان لم يكن في أربعينيات القرن المنصرم. بل إن مجلة سياسية أمريكية رصينة مثل فورين أفيرز أكدت انه يستحيل مع دولة مثل أفغانستان الحديث عن أي انتصار وذلك حتي ولو كانت السمات التقليدية المتعارف عليها لأي انتصار عسكري منطقية علي المهمة التي أنجزها الأمريكيون في هذه الدولة الفقيرة منذ عام ألفين وواحد. فكيف يمكن الحديث عن انتصار سياسي أو عسكري في دولة بلا نظام مركزي, ولا توجد بها لغة موحدة, ولا وحدة عرقية, ولا ديناميكية اقتصادية حديثة, اللهم إلا دولة تشكل رقعة جغرافية تعمل كمفترق طرق تجارية عديدة, بل وحتي هذه الميزة جري استغلالها في جعل البلاد واحدة من أكبر معاقل تجارة المخدرات في العالم. وبصرف النظر عن هذه المحاولة الاعلامية لتمييع الموقف الأمريكي دعائيا, إلا أن المشهد السياسي في أفغانستان يشي علي الأرجح بالخلاصة السياسية التي أعلنها الباكستاني عاصف زرداري, والتي قال فيها بالحرف الواحد: إن طلبان انتصرت في الحرب ضد الولاياتالمتحدة. حديث التقسيم قد تكون عملية قتل بن لادن زعيم القاعدة في شهر مايو الماضي- في دراما من انتاج واخراج هوليودي الطابع- استهدفت واشنطن منها ضمن أمور أخري الإيحاء بأنها حققت الهدف الرئيسي من اقتحامها لأفغانستان ألا وهو تصفية رأس الحربة في هذا التنظيم الذي هز جبروت واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ. ولكن هل من المنطقي أن تكون رأس بن لادن تستحق فعلا أن يدفع فيها أكثر من ثلاثة تريليونات دولار هي كلفة الحرب علي الإرهاب. قد اكون أمريكا فعلا قد خسرت الحرب علي الأرجح لكنها تعمل الآن علي الترويج لفكرة خبيثة بعد فشلها في كسر شوكة طالبان والقاعدة.. ألا وهي فكرة تقسيم البلاد إلي دولتين أو ربما دويلات صغيرة, أي باختصار يسعي الأمريكيون الآن إلي أن يغرسوا في التربة السياسية الأفغانية فكرة تفجير الدولة الأفغانية جغرافيا كي يسهل عليهم السيطرة علي مقدرات الأمور فيها. التاريخ الأفغاني يقول إنه علي مدار32 عاما كاملة, خاض الأفغان سلسلة طويلة من الحروب إلا أنه رغم هذه الحروب, ورغم التدخل العنيف فيها من جانب قوي كبري إقليمية ودولية, ورغم كل الدسائس التي استخدمتها هذه القوي في تلك الصراعات, إلا أنه لم يعمد أي زعيم حرب أفغاني إلي الاستسلام لفكرة تقسيم البلاد. التاريخ يقول لنا أيضا أن أفغانستان دولة متماسكة منذ عام1761, أي أنها أقدم عهدا في الوجود من العديد من جيرانها مثل باكستان وتركمانستان وأوزباكستان وطاجاكستان. وقد كان من أحدث المسئولين الأمريكيين الذين اقروا بحتمية عجز الولاياتالمتحدة عن الانتصار في أي حرب في أفغانستان رجل يدعي روبرت بلاكويل, هو مسئول سابق في ادارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وكان بلاكويل قد عمل أيضا سفيرا لبلاده في الهند فقد قال بلاكويل في مقال له بصحيفة الفاينانشايل تايمز الاقتصادية العريقة إن أفغانستان مقسمة من الناحية الفعلية أو بحكم الأمر الواقع الآن ومن ثم فإنه- حسب رأيه يتعين التفكير في إمكانية تقسيم البلاد رسميا إلي دولتين واحدة في الجنوب معقل البشتون أو العرق البشتوني الذين ينتمي اليه طالبان, وأخري في الشمال والغرب لطوائف الاوزبك والطاجيك والهزارة. وزعم بلاكويل أن الظروف الآن مثالية للغاية لتنفيذ هذا المخطط ويقول مطلعون علي الشأن الأفغاني ان الولاياتالمتحدة ليست أول من يفكر في تقسيم أفغانستان لضمان السيطرة علي الصراعات فيها فخلال عامي1988 و1989 حاول جهاز الاستخبارات السوفيتي كيه جي بي إقناع زعيم الحرب الأوزبكي الجنرال عبدالرشيد دوستم باقامة دولة عازلة لحماية منطقة وسط آسيا السوفيتية آنذاك من هجمات المجاهدين إلا أن دوستم رفض. وأيضا خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم, سعت طهران من أجل إقناع الشيعة والهزارة باقامة ممر شيعي يربط غرب ووسط أفغانستان بايران إلا أن الزعماء الأفغان رفضوا المقترح الإيراني. أكثر من ذلك فانه في منتصف التسعينيات حاول بعض الزعماء في طاجيكستان إقناع الزعيم الأفغاني الطاجيكي أحمد شاه مسعود ببناء دولة طاجيكستان الكبري ولكن بلا جدوي. وفي عام1996 عندما استولت طالبان علي كابول ثم فشلت في بداية الأمر في الاستيلاء علي المناطق الشمالية, اقترحت المخابرات الباكستانية علي الزعامات الطالبانية إقامة دولة للبشتون في الجنوب لكن طالبان رفضت. ولكن ما هي الأمور التي يمكن أن تعوق أي مخطط أمريكي لتقسيم أفغانستان؟, يقول الخبراء في الشأن الأفغاني إن من أهم العوامل الكفيلة بإحباط أي مخطط من هذا القبيل يتمثل في الطبيعة المعقدة للغاية للخليط العرقي الأفغاني. فهناك الملايين من البشتون يعيشون في المناطق الشمالية مع الاوزبك والطاجيك كما أنه في الجنوب البشتوني هناك ملايين من غير العرق للبشتون, ومن ثم فإن محاولة لتقسيم البلاد إلي مناطق صافية للبشتون, وأخري لغيرهم ستؤدي إلي عواقب كارثية. كما ان من شأن ترك الجنوب الأفغاني لطالبان أن يكون بمثابة خيانة للبشتون الذين وقفوا مع الغرب ضد حركة طالبان. باختصار فان أي خطط تقسيمية من هذا القبيل, ستقوض أفغانستان علي الأرجح عبر إغراقها في مستنقع حروب عرقية طاحنة, وهو قد يجعل الزعماء الأفغان وحركة طالبان نفسها تتصدي لفكرة التقسيم. غير أن الأمر يقتصر علي أفغانستان وحدها, بل قد يمتد أثره إلي باكستان حيث توجد جماعات بشتونية قد يدفعها إقامة دولة للبشتون في الجنوب الأفغاني إلي الانضمام اليها وتكوين دويلة عرقية تصبح ملاذا مثاليا للجماعات المتشددة مما قد يحرق المنطقة برمتها