لو كان المقصود وفقا للاعلان الدستوري المؤقت الصادر من القوات المسلحة السماح لجماعة الأخوان المسلمين بإنشاء حزب سياسي استنادا الي انهم يطالبون بتطبيق مباديء الشريعة الاسلامية. فهذا بالفعل مانصت عليه المادة الثانية من الدستور وبالتالي ليس هناك مايدعو إلي الاستناد في هذا التأييد إلي نص المادة الرابعة من الاعلان الدستوري والذي يفتح بابا للتلاعب بالألفاظ والالتفاف علي فكرة الدولة المدنية مما قد يشكل خطرا علي هذه الدولة في المستقبل. هذا الانذار بالخطر المتربص للبلاد خلال الفترة القادمة نتيجة اللبس وعدم الفهم علي لسان الدكتور هشام علي صادق استاذ القانون الدولي الخاص بكلية الحقوق جامعة الاسكندرية وممثل مصر محكم دولي في محكمة التحكيم الدولية بهولندا وعضو حوار الوفاق القومي في بداية حواره مع الأهرام المسائي والذي حاول خلاله فك طلاسم الاختلاف في بعض الأمور السياسية والدينية المطروحة الآن علي الساحة السياسية وكذلك تأييد ورفض عدد من الأراء المتداولة حاليا في وسائل الاعلام المختلفة وحسم قضايا مصيرية مهمة احتلت خلال الأشهر الماضية صدارة المشهد السياسي إنه يؤكد ان الاسلام لم يعرف الدولة الدينية بالمفهوم الأوروبي والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع نص لا يتعارض مع فكرة الدولة المدنية والمادة الرابعة في الاعلان الدستوري المؤقت تفتح الباب للالتفاف علي فكرة الدولة المدنية وتشكل خطرا عليها ثم ان القوات المسلحة هي الضامنة لمدنية الدولة الموحدة وديمقراطيتها والشعب هو الضمانة الحقيقية لاحترام الدستور والقوات المسلحة تفرض عليها دواعي الأمن القومي ألا يقتصر دورها علي حماية حدودنا وانما لابد أن تكون درعا واقية ضد أي دعاوي لتقسيم الدولة تحت أية مسميات.. وإلي نص الحوار: * تباينت الأراء حول الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية فهناك من أعطي الأولوية للدستور وهناك من أعطي هذه الأولوية للانتخابات الرئاسية.. مارأيك؟ ** يجيب الدكتور هشام صادق أن رأيي الشخصي ان يكون الدستور أولا لسبب بسيط وهو لابد من أن نضع أصول اللعبة قبل نزول اللاعبين للملعب ولكن رغم ذلك فإنني أحترم الرأي الآخر الذي انتهي إليه الاستفتاء لهذا فان الحل الوحيد لهذا المأزق أن تتفق القوي السياسية علي المباديء الأساسية التي يجب ان يتضمنها الدستور القادم والتي يتعين ان تلتزم بها اللجنة التي سيختارها البرلمان المنتخب لوضع الدستور, وهي المباديء التي تمسك بها الثوار وسقط من أجلها مئات الشهداء.. وتتضمن هذه المباديء.. دولة مدنية تقوم علي الحريات والديمقراطية وتداول السلطة من ناحية, وعلي العدالة الاجتماعية من ناحية أخري.. أو بمعني آخر ان تقوم دولة مدنية علي احترام حقوق الانسان السياسية والاجتماعية. ويواصل قائلا: إن الثوار أدركوا بفطرتهم ان مصر كانت في القرن الأخير دولة مدنية ويطالبون باستمرارها.. فالدولة المدنية تاريخيا عكس الدولة الدينية.. والدولة المدنية الجديدة عكس الدولة الشمولية سواء كانت شمولية عسكرية أو أمنية أو ديكتاتورية.. فالدولة المدنية الجديدة لابد أن تكون دولة ديمقراطية تخضع لسيادة القانون. * وأقاطعه وماذا عن الدولة الدينية؟ ** علي الفور يرد د. هشام صادق: الدولة الدينية تاريخيا هي الدولة التي تملك مؤسسة دينية أو سلطة دينية يستمد منها الحكام سلطانهم مثل نظرية التفويض الالهي في القرون الوسطي والتي كان يحكم بها ملوك أوروبا أما الدولة المدنية فيستمد منها الحاكم سلطاته من الشعب * ماهو وضع الدولة الإسلامية تاريخيا؟ ** ان الاسلام لم يعرف الدولة الدينية بالمعني الذي حدده البعض في الفترة الماضية.. اي أنه لم يعرف لا السلطة الدينية أو المؤسسة الدينية لأنه ببساطة ليس في الاسلام فكرة رجل الدين فلا يوجد بين الرب وعباده مؤسسة وسطية في الدولة الإسلامية. * واستوقف محدثي متسائلة: هل كانت الدولة الاسلامية تحترم غير المسلمين؟ ** يبادر بقوله.. نعم أن جمهور الفقهاء المسلمين يؤكدون حقوق المواطنة فيتمتع بها من يقيم في اقليم هذه الدولة اقامة كاملة سواء كان مسلما أو من أهل الكتاب أي يدين بديانة أخري مثل المسيحية أو اليهودية وغير ذلك.. واستند فقهاء المسلمين في ذلك علي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم لهم مالنا وعليهم ماعلينا. دولة تطبق الشريعة * مامعني الدولة الإسلامية التي ينادي بها البعض الآن علي الساحة السياسية؟ ** يقول الدكتور هشام صادق.. وفقا لما فهمته من توجه جماعة الأخوان المسلمين أنهم ينادون بتطبيق مباديء الشريعة الاسلامية وهذا مانصت عليه المادة الثانية من الاعلان الدستوري المؤقت الصادر من القوات المسلحة وعلي ذلك فان الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وهذا النص أؤيده لانه لا يتعارض مع فكرة الدولة المدنية لأن الدولة المدنية لا تناهض الأديان السماوية وبالتالي فالمادة الثانية كما فسرها السنهوري الفقيه القانوني المقصود بمباديء الشريعة الاسلامية في هذا الاطار هو المباديء الكلية التي لم يختلف عليها فقهاء المسلمين.. ويضيف بقوله.. معني ذلك أن الدستور في المادة الثانية يأمر المشرع المصري حينما يصدر قانونا ألا يخالف المباديء الكلية في الشريعة كما اتفق عليها فقهاء المسلمين.. أما في المسائل الخلافية في المعاملات فيسترد مشرع الدولة حريته في الاجتهاد ويختار الرأي الذي يتفق مع مصلحة الأمة ومقتضيات التطور.. وفي هذا الصدد تسمح الشريعة الاسلامية بتطبيق شرائع غير المسلمين من أهل الكتاب في احوالهم الشخصية( الزواج الطلاق مثلا) وهذا يعني أن الشريعة الاسلامية قد سمحت بتطبيق الشرائع السماوية الأخري علي غير المسلمين.. * وماذا عما تضمنه الاعلان الدستوري من السماح بقيام أحزاب سياسية علي غير اساس ديني ومرجعية إسلامية؟ ** يصمت قليلا ثم يقول: معني ذلك ان الاعلان الدستوري المؤقت قد سمح بقيام حزب سياسي وفق مرجعية دينية مادام أنه علي غير أساس ديني وكأن الاساس الديني والمرجعية الاسلامية امران مختلفان في حين أنني اعتقد أن المصطلحين مترادفان لهذا أفضل فكرة الدولة المدنية والعودة الي النص الذي تضمنه دستور سنة1971 الملغي لاننا هنا بصدد نشاط حزبي سياسي أي في مجال يجب ان نبتعد تماما عن أي مرجعية دينية أو اساس ديني. ويشير قائلا.. لو كان المقصود بالنص في الدستور المؤقت هو السماح لجماعة الأخوان المسلمين بإقامة حزب سياسي استنادا إلي أنهم يطالبون بتطبيق مباديء الشريعة الإسلامية فهذا مانصت عليه المادة الثانية وهو أمر نؤيده وبالتالي ليس هناك مايدعو إلي الاستناد في هذا التأييد إلي نص المادة الرابعة من الاعلان الدستوري المؤقت الذي يفتح بابا للتلاعب بالألفاظ والالتفاف علي فكرة الدولة المدنية مماقد يشكل خطرا علي هذه الدولة في المستقبل. الضمانة الشعبية * ماالضمانات الدستورية للدولة المدنية؟ ** لحظة تفكير تمتد قليلا ثم يجيب بقوله.. أنا أعلم أن الضمانة المهمة لاحترام الدستور والدولة هي الضمانة الشعبية وأثق في الشعب المصري بعد ثورة25 يناير الذي رفع شعارا عظيما وهو الشعب والجيش يد واحدة وكان المقصود بذلك ان يستغيثوا بقواتهم المسلحة في إدراك مباديء ثورتهم لعلمهم التام بأنها المؤسسة الوطنية الأكثر تنظيما والتي يشهد تاريخها بأنها كانت دائما مع الارادة الشعبية. ويستطرد قائلا.. وفي ظروف العولمة التي تمر بها الآن أعلم أيضا أن هناك توجها عالميا نحو اختراق الدولة الوطنية والقومية وتقسيمها كما حدث في كثير من دول العالم الثالث بل أن هناك تصريحات من بعض مسئولي دول الجوار تؤكد هذه الخشية علي وحدة الدولة المصرية ولهذا فأنني أعتقد أن دواعي الأمن القومي المصري تستلزم القول بأننا في أشد الحاجة إلي أن تكون القوات المسلحة ليست حامية فقط للحدود الخارجية وإنما أيضا درع واقية ضد أي انقسامات داخلية والانقسامات تبدأ عادة بدعاوي الفتن الطائفية لتنتقل بعد ذلك إلي المناداة باللامركزية الادارية والسياسية وتنتهي المأساة بتقسيم الدولة الوطنية.. وأعتقد أن دور القوات المسلحة في حماية وحدة الدولة المصرية أصبح أمرا لازما وهذا هو سبب اقتراحي أن يتضمن الدستور الجديد نصا يؤكد أن القوات المسلحة ضامنة لمدنية الدولة الموحدة وديمقراطيتها.. ويشير بقوله.. أعلم أن هذا النص قد نكون في حاجة اليه لفترة محدودة. * ماتصورك لشكل الصياغة النهائية للدستور في الفترة القادمة؟ وماهي سمات الدولة المدنية؟ ** يقول الدكتور هشام صادق.. أولا أنا لست مع الدستور الذي يتضمن الكثير من التفاصيل ولكني أفضل الدستور الذي يضع المباديء الاساسية للدولة المدنية والتي تقوم علي العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان أما فيما يتعلق بسمات الدولة المدنية فأهمها أن العقل له دور رئيسي حتي في تفسير النصوص الدينية.. ففقهاء المسلمين لم يكفروا المخالفين لهم في الرأي وإنما كان أبو حنيفة النعمان علي سبيل المثال يقول في علم الفقه والتفسير للنصوص.. أن علمنا هذا رأي فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه. وكان الشافعي يقول رأيي في هذا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب وكان جميعهم يدرك أن من اجتهد وأصاب له أجران أما من اجتهد وأخطأ فله أجر واحد والمعني أنهم كانوا يعطون للعقل والمنطق مكانة كبيرة فازدهرت في عصرهم العلوم العقلية والوضع يختلف تماما في الدولة الدينية حيث يتعصب كل صاحب رأي الي مايقوله ويرمي الآخرين بالكفر. ويستطرد بقوله.. ان مصطلح الدولة المدنية أو العلمانية هو مصطلح أوروبي توصل اليه الأوروبيون بعد ثورتهم ضد الدولة الدينية بالمعني المفهوم لديهم والتي بها سلطة دينية تحتكر الحقيقة وتناهض التفكير العقلي.. أما الدولة الاسلامية فلم تعرف الدولة الدينية بالمعني الأوروبي وبالتالي لم تكن هذه الدولة بحاجة الي مصطلح الدولة المدنية لتقابل فكرة الدولة الدينية.