يختلف مفهوم الدولة عن مفهوم الحكومة, فالحكومة جزء من مكونات الدولة حيث تقوم الدولة علي ثلاثة أركان: الشعب, والأرض, والحكومة,أما الحكومة فهي السلطة الموكول إليها تحقيق مصالح الشعب, وحراسة الأرض, وتطبيق القانون. ونظرا لأن الحكومة ركن من أركان الدولة, وبيدها مقاليد الأمور, يحدث كثيرا الخلط بين الدولة والحكومة, وهذا الخلط غاية في الخطورة.. سييء العاقبة.. منبع كل استبداد. فكل مستبد يبذل قصاري جهده للخلط بين الحكومة والدولة, وتدعيم هذا الخلط وتعميمه بين أفراد الشعب حتي تصبح الدولة هي الحكومة, والحكومة هي الدولة, وبحجة سلامة الدولة تصدر القوانين الجائرة, وتملأ صدور الرجال خوفا ورهبة, ويتحول الشعب خادما للحكومة, مع أن العكس هو الصحيح, فما جعلت الحكومة إلا لخدمة الشعب. فلابد أن نفرق بين الدولة والحكومة. ويطالب المفكرون والكتاب بضرورة توافر هيبة الدولة, وهو أمر حق, فبذهاب الهيبة, تذهب الدولة, وتتقوض دعائمها, لكن هذا القول علي إطلاقه لا يصادف الحقيقة كاملة, بل هو جزء من الحقيقة. وحتي نصل إلي الحقيقة كاملة, لابد أن نعرف الفرق بين الخوف.. والرهبة.. والهيبة. الخوف هو خشية وقوع الضرر, ويتولد عن هذه الخشية ذل الخائف, وإضعافه, وخضوعه, فلا يرد كلمة, ولا يعصي أمرا. والرهبة: طول الخوف واستمراره, فيوقع الفزع في القلوب, فالرهبة أعلي مرتبة من الخوف. والهيبة: أن يعظم المهاب في الصدور, فيترك إيضاع الضرر به, وغالبا مقرونة بالجلال والحب, وكثيرا ما تتولد الهيبة عن العدل, فالحاكم العادل مهاب الجانب, فلا يطمع القوي, ولا ييأس الضعيف. والدولة يجب أن تكون مرهوبة الجانب, بمعناه السابق بيانه, عند أعدائها, سواء في الداخل أو الخارج, فالهيبة في ذاتها لا تكفي, فلابد من الرهبة التي تمنع الأعداء من التطاول والاعتداء, قال تعالي: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم( سورة الأنفال:60). ووسيلة تحقيق الرهبة هي القوة بمركباتها الثلاث: القوة الاقتصادية, والقوة العلمية, والقوة العسكرية, أما أفراد الشعب فيجب أن تتوافر لديهم هيبة الدولة, فيملأ قلوبهم جلال الدولة وحبها, ويتحقق ذلك بأمرين: الأول: الحكم بالعدل, فالعدل أساس الملك, والعدل محبب للنفس بالجبلة, فنحب الحاكم العادل ولو لم ننل منه خيرا, ونكره الظالم, ولو لم يمسسنا منه سوء, فحب الحاكم العادل يدعونا إلي نصرته وتأييده, وكرهنا للظالم يحفزنا لمجاهدته والعمل علي زوال ملكه, فطرة الله التي فطر الناس عليها لعمار الأرض, ودوام الحياة, ويجب أن يكون العدل ناجزا, فالعدل البطيء لون من ألوان الظلم. الأمر الثاني: تطبيق القانون علي الحاكم والمحكوم علي حد سواء, ويجب أن يكون القانون في ذاته جازما حازما, فالقوانين الهينة اللينة الرخوة إغراء بالجريمة, والخروج علي نظام المجتمع. ويجب أن تكون في صدور المجرمين رهبة من القانون, وليس هيبة, فالهيبة تكسرها الطبيعة الإجرامية. وتتكون من العاملين السابقين هيبة للدولة, ويجب أن تكون أصيلة في النفوس, أما هيبة الحكومة فمستمدة من هيبة الدولة. خلاصة ما يقال يجب أن تكون في صدور الأعداء رهبة من الدولة, وفي صدور المجرمين رهبة من القانون, وفي صدور أفراد الشعب هيبة الدولة بما فيها من جلال وحب.