محافظ الفيوم يعتمد جداول امتحانات النقل والشهادة الاعدادية    جامعة أسيوط تناقش الاعتماد المؤسسي والبرامجي للكليات    نزل 45 جنيها.. رسالة عاجلة من الفلاحين للإعلامي أحمد موسى بشأن البصل    محافظ الفيوم: تنفيذ 10 مشروعات لرصف الطرق ضمن مبادرة حياة كريمة    برلماني يحذر: استمرار حرب غزة سيؤجج الصراعات بالمنطقة    كولر يطلب تحديد موعد إعلان جاهزية ياسر إبراهيم فى الأهلي    رغم صرف 9 مليارات يورو، نسخة أولمبياد باريس 2024 الأقل تكلفة    "بعد السوبر هاتريك".. بالمر: أشكر تشيلسي على منحي فرصة التألق    المتهم الأول في رشوة الجمارك: أعطيت أحد المتهمين زجاجة برفان ب170 جنيها    عروض وخصومات معرض أبو ظبي الدولي للكتاب في الدورة 33    وزير الصحة: 700 مليون جنيه تكلفة الخطة الوقائية لمرضى الهيموفيليا على نفقة التأمين الصحي    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    جامعة الإسكندرية الأفضل عالميًا في 18 تخصصًا بتصنيف QS لعام 2024    ننشر اسماء المكرِّمين من الأئمة والواعظات ومديري العموم بالأوقاف    28 إبريل.. انطلاق مؤتمر الاستثمار البيئى الدولى الثانى بجامعة سوهاج    الأوراق المطلوبة للتقديم في المدارس المصرية اليابانية ولماذا يزيد الإقبال عليها ؟.. تعرف علي التفاصيل    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    دورة تدريبية حول القيادة التطوعية في مركز شباب سفاجا    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادثتين بالشرقية    الكورنيش اختفى.. الشبورة المائية تغطي سماء الإسكندرية (صور)    ضبط 7 آلاف قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط تعاقد خلال 24 ساعة    الطب البيطرى بالجيزة يشن حملات تفتيشية على أسواق الأسماك    تفاصيل المرحلة الثانية من قافلة المساعدات السادسة ل "التحالف الوطني" المصري إلى قطاع غزة    الأوبرا تحيي ذكرى الأبنودي وجاهين على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    تحسن حالة محمد عبده بعد تعرضه لوعكة صحية وإلغاء حفله بالبحرين    قبل حفله بالقاهرة.. ماهر زين: متحمس للغناء في مصر بعد غياب    وزارة الأوقاف تنشر بيانا بتحسين أحوال الأئمة المعينين منذ عام 2014    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    وزير الخارجية يزور أنقرة ويلتقي نظيره التركي.. نهاية الأسبوع    هيئة الدواء تحذر من أدوية إنقاص الوزن عبر الإنترنت    ضبط 23 مليون جنيه في قضايا اتجار بالعملة خلال 24 ساعة    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    أحمد شوبير يكشف حقيقة مشاركة إمام عاشور في مباراة مازيمبي    موعد مباراة سيدات يد الأهلى أمام بطل الكونغو لحسم برونزية السوبر الأفريقى    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    امتى هنغير الساعة؟| موعد عودة التوقيت الصيفي وانتهاء الشتوي    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    ربنا مش كل الناس اتفقت عليه.. تعليق ريهام حجاج على منتقدي «صدفة»    بذكرى ميلاده.. محطات فنية فى حياة الموسيقار عمار الشريعى    خطوات الحصول على تصريح واعظة معتمدة بوزارة الأوقاف    بمعدل نمو 48%.. بنك فيصل يربح 6 مليارات جنيه في 3 شهور    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    تجديد حبس 3 أشخاص بتهمة تزوير محررات رسمية بعابدين    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    الصين تؤكد ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    خريطة فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق بكفر الشيخ للصيانة الدورية اليوم    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفگر د.سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:
الجماعات الإسلامية ليست في حكم ولي الأمر لا سلطة دينية ولا رهبانية ولا كهنوت في الإسلام
نشر في الأخبار يوم 28 - 05 - 2011


لا
لاغتصاب السلطة باسم الديمقراطية
لتهميش أية طائفة في المجتمع
للتفتيش في الصدور
الخروج علي الحاكم يجب أن يكون لأمر جامع .. وخروج الشعب في 52 يناير كان لأمور جامعة بعد أن عم الفساد
الرئيس القادم يجب أن يكون رئيسا للجميع
إذا كنا قد سئمنا الي حد كبير من الذين يطلقون أحاديثهم فتصير خيوط دخان في الهواء، بل تصبح كالعهن المنفوش، لأن أصحابها يسيرون في طريق تعبنا من السير فيه، ويعرضون علينا صورا شاهدناها من قبل عشرات المرات، فإن من العلماء من تثقل موازينه ساعة أن تكون أطروحاته فكرا علي واقع، وليس فكرا علي فكر ، مثل الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.
وإذا كنا نحتاج إلي من يشعل شمعة وسط الضباب الكثيف الذي يغطي طبقات المجتمع وهو يتحرك بين الحالة الثورية وحالة الفعل المضاد ، فإن محدثنا اليوم يوقد شموعا تذوب نورا في الطريق الذي يلتوي ويحاول أن يستقيم، وتذيب كثيرا من جليد الإظلام الفكري والمعرفي والفقهي، لعل وعسي...
وإذا كانت مصداقية المفكر وقيمته المضافة تتجلي في تضييق الهوة بين التصورات والتصديقات، حين تكتسي دعوته ذات القوة الناعمة، بقابلية لدي الجمهور، فيشتاق تحققها علي الأرضية العرفية والمعرفية للمجتمع، فإن د. الهلالي قد نجح - والشواهد دالة - في إيصال وتوصيل ذبذباته الفكرية لترددها أجهزة الاستقبال في الشارع المصري الآن، نتيجة غزارة بث الإسال وقوة موجاته.
فهو لا يتحدث عن الفكر الإسلامي وكأنه كرة معلقة في الفضاء، بل هو مهموم بفقه الواقع، والانفتاح علي كافة المذاهب العلمية التي تقنن للفقه، فلا قيد علي رأي ، ولا حكر علي فكر، ولا إجهاض لاجتهاد، ولا مصادمة لمقولة، بل مجاراة لكل اتجاه، شريطة الفهم المنطقي لطبائع الأمور، بعيدا عن التفتيش في الصدور، وإنما التفتيش الدقيق في النصوص.
يسعي إلي التوسيع علي خلق الله، والتيسير في حياتهم التي يضبط الفقه إيقاعها، فلايكبلها ولا يقيدها ، ولا ينبغي، وهذه فلسفة الفقه الكامنة في جوهر الدين، حيث تنفتح مغاليق الأمور، أويفترض ذلك.
من أجل ذلك.. يجاهد الدكتور سعد الدين الهلالي، عبر مؤلفاته التي تربو علي السبعين كتابا، منها موسوعة فقه المخدرات، والبصمة الوراثية وعلائقها الشرعية، والمهارة الأصولية والتجديد الفقهي، وحقوق الإنسان في الإسلام، والجانب الفقهي والتشريعي في الاستنساخ، والمهنة وأخلاقها، والثلاثونات في القضايا الفقهية المعاصرة والجديد في الفقه السياسي المعاصر، وموسوعة فقه الجنائز، وفقه العبادات، وأخص خصوصيات المرأة، وقد نالت معطم هذه الأعمال جوائز مصرية وعربية وإقليمية كثيرة منها:جائزة الدولة التشجيعية ، وجائزة التقدم العلمي في الكويت، وجائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وغيرها، كما تستقطب أطروحاته الفضائيات المحترمة، والدوريات العلمية، والوسائط التي تزدان بآرائه ورؤاه ومصابيح التنوير والاستنارة التي تتوهج هنا في هذه المحاورة...
من الواقع تنطلق هذه الحوارية، ومن الوقائع التي يموج بها الشارع المصري، ماذا تقرأ في أولويات المشهد الراهن بتجليات حوادثه وتداعيات أحداثه، خاصة في خضم ما يسمي بالتيارات الدينية التي تتنازع المواطن وتقذف به ذات اليمين وذات الشمال وهو باسط ذراعيه أملا في ومضة نظام لإشارات مرورية حياتية تتعالي فيها الألوان الحمراء أكثر من الخضراء والصفراء؟.
توجد مشكلة في خلط المفاهيم، فالجماعات الاسلامية في نظري هي في حكم المذاهب الإسلامية، وليست في حكم ولي الأمر، بمعني أن هناك فرقا بين الداعية وبين الحاكم، وبين القاضي والواعظ، فالجماعات الإسلامية مدارس فكرية، وظيفتها البحث والتفتيش في نصوص الشريعة من المصدرين الرئيسيين: الكتاب والسنة، لإيجاد مخارج أو برامج تنسب إلي الشريعة، لأن كلا من النص القرآني والنص النبوي »حمّال« يحتمل وجوها، ووظيفة الفقيه أوالمفكر أو العالم هي استنباط من هذه النصوص برامج تنسب الي الإسلام وتكون حلا لمشاكل المجتمع.
ظهرت الجماعات الإسلامية في القرن العشرين، ظهرت »جماعة أنصار السنة« في بداية القرن، وظهرت »جماعة الإخوان المسلمين« في الثلث الأول، وظهرت »الجماعة الجهادية« في الثلث الأخير، إلي جانب الجماعات الأخري المتفرعة، لكن ابرز الجماعات هي الإخوان، والسلفيون، كل يريد إعادة قراءة النص، بمرجعية الكتاب والسنة، من وجهة نظره، حيث يريد أن يضع برنامجا منسوبا إلي الشريعة يراه هو الأنفع للناس، فكان من أهم برامج الإخوان في خدمة المجتمع البرنامج السياسي الوطني، والدخول في معترك الحياة التي تحرك أمور الناس من جانب القوانين واختيار الرئيس وعلائق المؤسسات ببعضها، وهذا هو ما يبرز جماعة الاخوان في برنامجهم في خدمة المسلمين.
ووجد أنصار السنة أن برنامحهم الأساسي هو إبعاد البدعيات والشركيات وتنقية الحياة الاسلامية مما دخل فيها من مستحدثات لا تنسب للشريعة من وجهة نظرهم، فكان معظم مهامهم في السمت الإسلامي الذي يجب أن يكون، في البعد عن الطواف حول المقابر وزياراتها والشفاعة وغير ذلك، مما يلبس فيه أنه من الشرك بالله، فاعتبر هذا من البرنامج الذي نسبوه للاسلام من وجهة نظرهم.
هذه الجماعات هي جماعات علمية أي أنها تقوم مقام العالم الواحد، أبو حنيفة أصبح مدرسة، والإمام حسن البنا صار جماعة الاخوان المسلمين، وكذلك السلفية ليس لها ممثل وحيد، فتواصلت الفكرة، لهذا أتمني أن تكون هذه الجماعات قد فهمت أنها قد جاءت لكي تحل محل عالم ، ولم تأت لكي تحل محل حاكم ، إذن هؤلاء في حكم العلماء، والعالم هو الذي يقرأ النص، ويخدم الناس فكريا وعلميا، وليست له ولاية حاكم، فالغريب والعجيب هو اللبس الذي دخل مع اقتحام هذه الجماعات لمؤسسات المجتمع، وربما تظن أنها لها ولاية منع المنكر وإقامة المعروف، باليد وليس بالوعظ، فمنع المنكر باليد، وإقامة المعروف باليد هي مسئولية القضاء والحاكم الإداري، إنما العالم وظيفته هي كما أشار إليها القرآن الكريم» فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر« و»وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر« وفي الحديث النبوي »من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان« فهذا يتعلق بوظيفة الحاكم، وصفة القاضي، أو وظيفة عموم الناس فيما يتعلق بحقوق الناس وليس بحقوق الله، فالحقوق نوعان: حق لله، وحق للآدمي، ، صحيح هناك حقوق مختلطة، لكن لا يتغلب أحد النوعين علي الآخر.
تقول إن الجماعات الإسلامية ينبغي أن تفتش في النصوص ، لكن الذي نعاينه أنها تفتش في الصدور، عيني عينك، وأنها تسعي إلي الانقضاض عليّ كمواطن، فلا أري إلا صراخا وصداعا وصراعا؟ لا سيما أن الأمر وصل إلي الفعل اليدوي في التغيير المزعوم، وباستخدام القوة المفرطة؟
كلنا لا نملك إلا الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، ولو أعطينا انفسنا حق التغيير باليد لوقعنا في نفس الخطأ الذي وقعوا هم فيه، فالتغيير باليد إنما يكون لمؤسسات يعترف بها المجتمع، والمجتمع يعترف بمؤسستين فقط، في تغيير المنكر باليد فيما يتعلق بحق الله وبحق الآدمي، المؤسسة الأولي هي الدولة أو الحكومة أو الإدارة أو ولي الأمر الذي اخترناه ونصبناه ليقيم هذا الحق، والمؤسسة الثانية هي القضاء الذي هو وكيل من نصبناه حاكما، حتي لا يتغالب الناس ولا يتقاتلون، وأن نعطي كل مؤسسة حقها، فحق مؤسسة القضاء أن يرفع إليها الشأن، ومن ثم تتخذ الاجراءات التي تحقق الأمن وليس الاجراءات الضعيفة التي لا تحقق الأمن.
مؤسسة الاستبداد
الفقه الإسلامي أول ما ظهر، والسلطة المستبدة حقيقة تاريخية قائمة، فجاء خالياً من الفقه الدستوري الذي يحدد شرعية الدولة، والعلاقة بين السلطة والمواطن، وحدود صلاحيات السلطة، وإقرار الحريات الشخصية والعامة، ومبدأ الاختيار والتعبير عن الرأي، وظهر بدلا منه مفهوم الطاعة، طاعة أولي الأمر مقرونة بطاعة الله ورسوله، واعتبارها من الفضائل الدينية والدنيوية علي حد سواء؟.
الفقه الدستوري متغير بالأعراف كالبيع سواء بسواء، هل أنظمة البيع القديمة هي نفس أنظمة البيع المعاصرة؟ هل أنظمة وطرق الزواج هي نفسها الحديثة؟ صحيح أن أركان العقد ثابتة، وهي الإيجاب والقبول مع وجود الشاهدين والولي ولكن نظم الزواج تغيرت، وللمجتمع الحق أن يغير تلك النظم .
ونفس الأمر في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي في الأصل كانت علاقة » بيعة« وكانت معروفة قبل الاسلام، فلم ينص القرآن ولا السنة علي طريقة استخلاف الحاكم من بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولعل أخطر قضية مرت بالمسلمين وكان النبي يعلمها، هي اختيار من يتولي الحكم من بعد، ومع ذلك تركها وسكت عنها، وكانت بمثابة رسالة لنا من الله ورسوله، تقول تلك مسألة تراجعون فيها انسانيتكم، وكيف تديرون شئونكم فيما ترونه من طرق الإدارة، وطرق قيادة الدولة من مشارق الأرض ومغاربها، لكم أن تأخذوا بها فيما ترونه صالحا مع هدي الإسلام فهو الهدي الذي جاء للمتقين، نأخذ منه ونستنبط منه ما يفيد حياتنا الشخصية، فكان نظام البيعة نظاما قديما، بدليل أنه لما مات الرسول الكريم، اختلفوا قبل دفنه، قالوا نأخذ من المهاجرين رجلا، ونأخذ من الانصار رجلا، ويتكون مجلس حكم، ونفترض أنهم لو وافقوا علي ذلك، لكان هذا منهجا دستوريا قائما إلي اليوم، وقام بعضهم ينازع بعضهم، إلي أن قال عمر بن الخطاب مد يدك يا أبا بكر أبايعك، فبايعه وبايعه الناس، واستقر الأمر علي هذا النحو، ونحن الآن نسمع بعد ثورة 52 يناير من يطالب بوجود مجلس حكم انتقالي، إذن مسألة مجلس حكم هو أمر يقبله العقل.
هذا هو المنبع لأن يجمع من بيده الأمر ومقاليد الحكم، بين السلطة التنفيذية (يأمر وينهي) والسلطة التشريعية( فهم النصوص) والسلطة القضائية(الفصل في الخصومات)... أليس كذلك؟.
نعم .. و لكن المواقف الآن تغيرت وتطورت، والأمور تعقدت، وظهرت مدارس فقهية بما يعجز أي حاكم أن يحيط علما بفقه المذاهب كلها، فكان لابد من وجود اختصاص آخر للفقه، واختصاص للجانب التشريعي، وأيضا الجانب القضائي، وكان الحاكم ينتقي ويختار القاضي الذي يقضي بين الناس، لذلك عرف في بعض المناطق بمذاهب سائدة، فمثلا نجد المذهب الحنبلي سائدا في الجزيرة العربية، ونجد المذهب المالكي في شمال أفريقيا وجنوب مصر، ونجد المذهب الشافعي في شمال مصر والشام، ونجد المذهب الحنفي في شمال أفريقيا وأوروبا وشرق آسيا، هذه البلاد ظهرت فيها هذه المذاهب فاستقر الفقه وتعارف الناس عليه في مجتمع معين، فكان اختيار القضاء نابعا من اختيار الشعب.
فقهاء السلطان والسلطات
هناك مقولات سلطوية أطلقها فقهاء السلطان والسلطات أحيانا، وبعض الحكماء أحيانا أخري فاختلطت الأوراق الفقهية، واستغلها الحكام أنفسهم وروجوا لها عبر رجالهم وأبواقهم، خاصة في الطبعة الأموية والطبعة العباسية للفقه التي أسفرتا عن مقولات أسست لمفاهيم استبدادية ترسخت وصارت مشهورة عبر الزمان والمكان ولاتزال، من قبيل »أنا ظل الله في الأرض« و»هذا قميص ألبسنيه الله« وغيرها، يستغلها كل من يريد أن يتحكم في رقاب العباد؟
هذه مقولات كانت تناسب عصرها وتراعي أعرافها وبالتأكيد كانت هناك مجاملات للحكام والرؤساء يصل بعضها الي النفاق، ويصل البعض الآخر الي العبادة، وبالنظر الي البسطاء وحسني النية فان لهذه الأمور نبعا صافيا في الأصل، خذ مثلا الحديث القدسي »اذا تقرب اليّ عبدي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته مهرولا، ولا يزال عبدي يتقرب اليّ حتي كنت سمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه...« هذا عن التعامل السامي في الطاعة، وهنا تكون المشكلة، إذ كيف نأخذ هذه المعاني في الطاعة مع الله ، وعبادة العبد للرب، ونسقطها علي عبادة العبد للعبد.
ومثل هذه المقولات لا أصادمها ولكن يمكن أن أجاريها ، بمعني: هل أنا ظل الله، وأنا من أنا، انا أيضا عبد مثل الحاكم او الرئيس، وهو مثلي، ونحن أمثال بعض، فأنا أيضا ظل المظلول.
أهي حاكمية؟
من الذي نصبه!
اغتصاب الخلافة.
إذا جاء بالظلم، وما بني علي باطل فهو باطل، بعد الإمام علي بن أبي طالب، هؤلاء اغتصبوا السلطة بالديمقراطية، ثم استجلبوا البيعة.
حين لا تأتي البيعة طواعية يبدأ السخط والتذمر والتمرد والثورة، وهو ما يحدث الآن منذ 52 يناير؟
بالتأكيد.. وما يحدث الآن حدث كثيرا في تاريخ المسلمين، ألم تعلم بأن الثورة العباسية قامت علي أنقاض الخلافة الأموية، ومن بعدها الثورات ضد الخلافة العثمانية، ربما إذا أحسنا الظن أنها ثورات علي باطل، ظنا من أن الذي سيأتي سيقيم العدل، ثم نفاجأ بأنه يستمرئ الظلم، فتأتي ثورة أخري، وهكذا، عندما قامت ثورة يوليو باركها الشعب، وكان سعيدا بها ، والآن قامت52 يناير، وربما تسئ هذه الثورة التعامل مع الناس، فتأتي ثورة أخري بعد سنة أو عشر سنوات ، الناس تثور دائما.
إذن الثورة شئ طبيعي وقائم، والإنسان يطمح إلي ما هو أعلي، ولو وضعت ثورة 52 يناير في ميزان الحكم والتاريخ لدي الناس قبل مائة عام لقالوا هذه رفاهية سياسية، وهذا ليس مطلوبا بعد عدد من السنين ، فالمستقبل أسرع، وبعد ثلاثين عاما ستكون أحلامنا اليوم ماضيا للمستقبل ويطلبون ما هو أعلي، وهذا هو التطور الطبيعي للديمقراطية، أن يشعر الانسان أنه لا يؤمن حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه، يجلس كما لو كان رئيس المصلحة، وينظر الي الفراش علي أنه مثله، والفراش يشعر بهذا المعني، وسيأتي اليوم الذي سيشعر فيه الجميع بتنامي الديمقراطية، وأن الكل سواسية، وهذا ما جاء به الإسلام في أول الأمر.
مقولات سلطوية
أخذ عزيز مقتدر
يظل الحاكم العربي والمسلم يحكم مدي الحياة.. ما جذور هذه الفكرة ؟.
لها شبيه في صحيح البخاري ، فقد روي عن عبادة بن الصامت: بايعنا الرسول علي السمع والطاعة، وألا ينازع الأمر أهله« بقي سؤال من نصبه بعد رسول الله يجب أن يكون مدي الحياة، أم يمكن أن يكون لمدة؟
كل حكامنا تقريبا يؤخذون أخذ عزيز مقتدر، من الكراسي إلي المقابر.. مباشرة؟.
جري العمل به ، ولم يأت به نص.
الحاكم يحكم مدي الحياة، ومن يملك القوة يملك الحكم. فالقوة العسكرية هي التي تحدد الحاكم، وترسم بقاءه واستمراريته، وبالتالي فالحاكم هو آمر الصرف المالك للقوة المالية. وهو رأس الجيش المالك للقوة العسكرية، والحاكم غير محدود الصلاحيات، والحكم وراثي في الكثير من الدول؟.
الحاكم يستلذ الكرسي، ثم يستهويه ويريد بقاءه، فكان ينفق لإغراء الناس ما ينفقه، والانسانية كلها لم تكن مؤهلة للديمقراطية، بدخول صنوف متعددة من بلاد متعددة، لماذا نعيب في العالم الاسلامي، وكان هناك قوتان : كسري وقيصر، فلما نضج الإنسان وتحضر وبدأ يعرف الديمقراطية، قامت الثورات مثل الثورة الفرنسية في عام 5371 وبدأت الديمقراطية تنتشر في بعض دول أروربا، ولا تزال معانيها غامضة،
كيف؟.
لأنها متنامية، فالحضارة والتقدم والذوق والرقي بلا سقف.
ثورة النجاح لا نجاح الثورة
لا يزال فقهاء السلطان ناشطون في كل عصر، يتلونون بأشكال وهيئات، ويرتدون الأقنعة، إنهم الفقهاء الذين يزينون للحكام سوء عملهم، أين الفقيه الثوري، أو ثورة الفقه؟
المطلوب تفسير كلمة الثوري، هل هو الذي يرفع صوته؟ أو الذي يأتي بعنف؟ أو الذي يظهر احتجاجا بطريقة غير مقبولة؟ أم أن الثوري هو من يثور علي الباطل، ولو كان بكلمة طيبة؟ أنا أحترم ثورة النجاح، ولا أحترم نجاح الثورة.
بمعني؟
الذين يظنون أنهم نجحوا في ثورتهم، عليهم أن يعودوا، أما الذين يثورون في نجاحهم فإن النجاح هو الأساس، فلابد أن يظل النجاح بالثورة قائما متوقدا، لا سقف له. والتاريخ هو الذي سيحكم علي ثوار 52 يناير، فالثورة لم تثمر بعد ثمارها، ونتمني أن تثمر كل ثمارها، فالثمار لا تزال قليلة جدا، وضعيفة جدا، وربما يكون ضعف الثمار هو ضعف تكتيكي، وربما يكون أمرا متعمدا، فالتاريخ هو الذي سيحكم. إن الفقه الاسلامي قائم علي ثورة النجاح
الرئيس القادم.. للجميع
رئيس الدولة المنتظر.. ؟ ما صورته... ملامحه.. ما ينبغي أن يكون؟
أتمني من رئيس الدولة القادم أن يكون رئيسا للجميع، فلا يكون حزبيا ولا طائفيا، يكون ولي أمر الجميع، حتي لا يعتدي أحد علي آخر، فيحمي المنظومة كلها، وأن يكون القاسم المشترك هو العمل الإنساني لكل المقيمين، والإصلاح السياسي والحضاري، والمطلوب من الأحزاب أن تعد برامج حياتية، وهذا مجاله العلم والثقافة.
فقهيا .. الخروج الفردي أم الجماعي هو المباح والمشروع؟.
الآية الكريمة تقول: » انفروا خفافا و ثقالا« والخروج علي الحاكم يجب أن يكون لأمر جامع، ولا يصح أن يكون لأمر خاص، وخروج الشعب في 52 يناير ما كان إلا لأمور جامعة، خاصة لمنع الفساد الذي عم البلاد، وما كان يعرفونه وإن ما كانوا يطالبون به فقط هو الافصاح والإبانة، ومحاولة الإصلاح، ثم كان الذهول بعد الكشف الي درجة أن الذين لم يخرجوا ندموا علي أنهم ما حرجوا،، وما شعروا بذلك إلا بعد أن تكشفت الحقائق.
لجنة إهدارالدم والتكفير
وما تقول في من يتبجح ويطالب بتشكيل »لجنة عليا لإهدارالدم والتكفير«؟
علي الجماعات الإسلامية المصرية أن تكون مثل جامعة الأزهر مبينة، ومدارس علمية موضحة معني الفقه، ومعني الأحكام المستقاة من النصوص وأن تترك مسألة الولاية لأهلها، وأن تترك الناس يبدعون ويبتكرون، فهم سيفهمون ما نقول أكثر مما نقول، ورحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها.
استمراء لعبة الدين والسياسة؟
الدين في كل شئ، هو جزء من الدم، لكن المشكلة أن تكون الولاية ولاية دينية، أنا أريد ولاية إنسانية، ولاية فهمية، نحن أهل الدين، أهل الموعظة، اتركوا الناس يبدعون ويبتكرون، ابداعات الحياة من يقوم بها؟ المشايخ أم الناس ؟ من الذي اخترع هذا الجهاز أو ذاك، فقيه شيخ؟ أم واحد كافر؟ من الذي قام بتفصيل البذلة، واحد شيخ.. أم آخر أيا كان؟ إنه يأخذ مني مبدأ عدم الغش، والأمانة والصدق، ياخذ مني القواعد العامة، نحن نريد أن يكون نظام الحكم فيه شفافية وعدالة فمن يمارس ذلك؟ هل هم المشايخ؟ يجب علي كل الناس أن يهبوا، يخرج منهم السياسي والوزير والعالم، يجب أن نعطيهم الحق، ويكفينا وضع الضوابط، لأن الشرع ما جاء إلا لوضع الضوابط، والنصوص القرآنية فيها أحكام تطبيقية، وإنما هي أحكام خطاب الله تعالي، الذي نأخذ منه المفهوم التطبيقي.
دولة الأزهر و دولة الفاتيكان
تتسلل خفية وجهرا دعوة تطالب ب » دولة الأزهر« علي غرار »دولة الفاتيكان«؟
الأزهر جامعة علمية، وسيظل حصنا للعلم، ولن يكون في يوم من الأيام ولي أمر علي الناس، السلطة الدينية ليست إلا لله تعالي، وليست لأحد من البشر:»وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر«.
لكن السلطة الجامعة والعلمية شاملة للمعارف والعلوم التي تنفع الإنسان وتحرره من المخاطر التي تحيط به في الدنيا، أما ولاية السلطة الدينية فليست في الإسلام، لا رهبانية ولا كهنوت في الإسلام.
الفاتيكان سلطة دينية يملكون منح أحكام شرعية، ونحن في الإسلام لا نملك منح أحكام، إنما تجتهد في النصوص برؤي فقهية متعددة، وكل الخلافات الفقهية يجوز العمل بها، ويقرها الشرع تجسيدا لتعظيم الاجتهاد والعقل، ومنع أن يسطو أحد علي أحد، أو مجتهد علي مجتهد آخر، أو أن يكون له سلطة، ويقينا .. الإسلام دين عالمي.
كيف تري وأنت عالم من علماء الأزهر، مقولة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب:»الأزهر فوق الحكومات وفوق الثورات«؟
علي أي أساس؟ إن كان المقصود بالأزهر هو العلم والجامعة، فالعلم فوق الجميع، والعلم صفة من صفات الله، وليس حكرا علي الأزهر، وإن كان قد تبني العلوم الشرعية، فقد ظهرت جامعات تحمي هذه العلوم، وكلها »عيال« علي الأزهر. أما إن كان المقصود بالأزهر كأفراد، فعلي قدر منزلة علمهم، تكون منزلتهم في الدنيا والآخرة، وإذا كان العلم هو الذي يعلو فإن صاحب العلم لا يعلو إلا بالعلم والعمل به، فربما نجد رجلا عاميا في الشارع يلتزم بما سمع من الأستاذ ويكون أفضل منه. وان كان المقصود بالازهر العاملين فيه، فجميعهم موظفون في الدولة ابتداء من شيخ الأزهر إلي آخر عامل، يسري عليهم قانون العاملين بالدولة.
المناوشات الراهنة المطالبة بالثورة علي الأزهر.. كي تراها وبأي منظور؟
مثل هذه الأمور من تداعيات ومتغيرات يجب أن تستوعب عقلا وفكرا، هذه المتغيرات يجب أن تتسع صدورنا لقبولها، ولا نضيق ذرعا بمثل هذه التداعيات، بل يجب علينا أن نتعامل بالرحمة الإسلامية وسعة الصدر.
وشيخ الأزهر لا يضيره أية صفة للتولية من صفات الاختيار أو التعيين، فالأصل في من يتولي مشيخة الأزهر تحمل الأمانة باسم الأزهر وعلماء المسلمين، فقد جاء للتعبير عن إرادتهم ولتجسيد المعاني العلمية المجردة، وهو منصب تكليف لا تشريف.
الحاجة لكل رجل رشيد
صارت ظاهرة أن يسارع الوعاظ والشيوخ، خاصة من المنشغلون بالأمور الدينية لصالح الدنيا، بالتدخل لحل مشاكل عنيفة تطفو علي سطح المجتمع، وتحتاج قوة الدولة وهيبتها؟
هي ترجمة لقوله تعالي »وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه« فربما وجد ولي الأمر أن هذا المجتمع يصلح للتعامل معه فلان، الرجل المناسب في المكان المناسب ، فلما وجدوا أن فلانا هو الأصلح، لهذه الفئة السلفية كان من المناسب أن يتولي أخ سلفي يخاطبهم بالفكر السلفي، ومن يقتنعون به، وإذا كان الذي أشعل الفتنة من أصحاب الفكر الإخواني فإن من المناسب أن يؤتي بأحد من الإخوان.
لتحقيق مكاسب سياسية؟
نحن في حاجة الي كل رجل رشيد، لابد من فتح علاقة مع جميع الاجتهادات، لا يجب أن نخاف من بعضنا البعض، علينا أن يكسب بعضنا من بعض، لابد من شراكة مطلقة، ولا لتهميش أية طائفة من الطوائف، كل ذلك لصالح المجتمع وخير الناس.
نرجو ذلك.
الشريعة الإسلامية لم تأت من أجل أن تكون قيدا علي الناس، وإنما من أجل أن تكون راحة ورحمة للناس، والمجامع الفقهية الإسلامية والمراكز البحثية، وظيفتها إبانة الأحكام الشرعية، وترك الناس وما يختارون. وفي الشريعة الإسلامية فإن المذهب عليه أن يبين رؤيته ويتركها خيارا للناس، ولم يفرض أحد من أئمة المذاهب المشهورة رأيه، وإنما هي رؤية عليه أن يبينها عملا بقوله تعالي: »وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون«. وكذلك في هذا العصر ليس من حق أي مجتمع فقهي في أي مكان في العالم، أن يفرض رأيه أو سيطرته علي الناس، فالاختيار هنا لهم بكل شرائحهم المتعددة، ولا يجب علي مجمع البحوث الاسلامية أن ينصب نفسه خصما للناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.