أثناء حديثي منذ أيام في إحدي ندواتنا الثقافية عن الترجمة كعامل مهم في التنمية وجدت المتحدث الآخر علي النقيض يوجه حديثه تجاه دحض دورها بل والهجوم علي قضية استعمال لغتنا العربية في التعليم الجامعي, لحين وصولنا لمرحلة نضيف فيها للعلم العالمي وعلي قدر استغرابي لهذا المنطق لأنه يضع العربة أمام الحصان بعكس مكانها الحقيقي لأننا نريد أن ننهض ونوطن العلم التطبيقي من مختلف مصادره أحد أهم متطلبات التنمية فهكذا تعلمنا جميع تجارب مختلف الدول المتقدمة قديما وحديثا وإذا به يشير إلي أن لكل تجربة خصوصيتها وهو أمر دحضته بالمقارنة مع الدول التي سبقتنا تعليميا حسب التقارير الدولية والتي لها تقريبا نفس الظروف والثقافة مثل سوريا وتركيا وإيران ومثل تجربة محمد علي في مصر وتغيير إنجلترا للغة التعليم في مصر فور احتلالها لنا وما حدث في الجزائر والتي رزحت تحت الاحتلال الفرنسي الذي كان يشيع أن الجزائر امتداد طبيعي لفرنساجنوب المتوسط وأنها أتت لتنويرها لتصبح نسبة الأمية وقت اندحار فرنسا من الجزائر95%. لم يكن دحضي لفلسفة حديثة ممكنا إلا بعرضي للأرقام والإحصاءات الدولية التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن التعليم والتعلم باللغة القومية( وهي هنا لغتنا العربية) بوابة أساسية للتنمية الشاملة في أي مجتمع. بقي أن نعرف أن محدثنا صاحب موقف العربة أمام الحصان كان نائبا لرئيس إحدي أكبر جامعاتنا. كانت خشيتي كبيرة من ترديد البعض هذا الفكر العكسي بلا تأمل, فتوضيح الحقائق مسيرة طويلة تبغي البناء أما الهدم فيسير, وقتها تذكرت كم من الأبواب فتحت وتفتح لمنطق التنمية المضادة وكأنها قدر لا فكاك منه وتمثلت أبيات أحمد شوقي: برز الثعلب يوما.. في شعار الواعظينا. فمشي في الأرض يهذي.. ويسب الماكرينا. ويقول: الحمد لله إله العالمينا. يا عباد الله, توبوا.. فهو كهف التائبينا. واطلبوا الديك يؤذن.. لصلاة الصبح فينا. فأتي الديك رسول.. من إمام الناسكينا. فأجاب الديك: عذرا.. يا أضل المهتدينا!. بلغ الثعلب عني.. عن جدودي الصالحينا. عن ذوي التيجان ممن.. دخل البطن اللعينا. مخطي من ظن يوما.. أن للثعلب دينا. كثيرة هي المواقف العلمية والسياسية التي نجد فيها الناصح اللعين يغرينا بمعسول كلامه لنقتفي أثره وهو الذي أعلن عن نيته في افتراس مقوماتنا ليدخلنا في سرداب التخلف بحجة أن علينا أن ننهض قبل أي شيء بمعونة السيد ذي القبعة لنظل له خانعين, وليوهمنا بأننا الثعالب رغم مواقفه المعلنة وأقواله المثبتة التي مارسها وأعلنها في أكثر من محفل علمي. القضية ليست أننا لا نعلم بل إننا نعلم ولكن ارتباطنا العاطفي بالذئب يجعلنا نتوهم أن مقولته صادقة وأن أحاديثه السابقة كانت لأسباب أخري ولأقوام غيرنا. لقد ألقي محدثنا عظمة للحضور كي نستمع لنصيحته بأن نترك قضية اللغة القومية جانبا لحين وصولنا لمصاف الدول المتقدمة, ولم يخبرنا أننا سنفقد تلك العظمة كما حدث في قصة الأطفال الإنجليزية: العظمة والكلب; حال مرورنا علي أي كوبري نري منه صورتنا في الماء; وتناسي أن دفعنا للهروب بذبح ديوكنا وبإكثار الذئاب لن يجدي, فنحن علي الدرب سائرون نردد الأغنية اللبنانية: أين ستهربون من ردة الغضب, من لعنة الضمير, فهي لعبة المصير. ولحين انهيار الأقنعة وعودة قضية هوية المجتمع وتعريب تعليمه ومناشطه كقضية تنمية حقيقية سنستكمل ترديد بقية كلمات الأغنية: لا لن يجدي الهرب, يا من بنيتم أمنكم بدماء أجساد الصغار, أين ستهربون, لن تستطيعوا غسل هذا العار, يا حضارة الدمار.