بالوجوم الذي يكسو الوجوه وحالة الترقب والقلق التي لم تترك صغيرا أو كبيرا, يستقبل أهالي إمبابة الزائرين من الغرباء الذين كثر توافدهم علي المنطقة عقب الأحداث التي شهدتها بداية الأسبوع وتسببت في قتلي وجرحي بالعشرات مثلت موجة عاتية من موجات الفتنة الطائفية التي تضرب مصر من وقت لآخر. ذهبنا إلي منطقة الأحداث بعد أن سيطرت القوات المسلحة علي الموقف ووجدنا في الشوارع التي شهدت الاشتباكات بين مسلمين ومسيحين نسوا أنهم بالأساس مصريون لنرصد ملامح الحياة وسط جو التوتر. منذ أن تطأ قدماك الشوارع التي لاتختلف كثيرا عن شوارع المناطق الشعبية حتي تدخل قلب إمبابة بشوارعه الضيقة ومنازله المتلاصقة وتدني مستوي الخدمات والمرافق, لابد أن يطاردك سؤال حول نتائج التصريحات الحكومية للاهتمام وتقويم البعد الاجتماعي منذ التطهير الأمني لمعاقل تصدير الإرهاب الفكري والتطرف الديني إمبابة بداية التسعينيات وتحديدا عام1992 للقضاء علي جمهورية الشيخ جابر الذي أراد إقامة دولة إسلامية مستقلة علي الحكومة الفاسدة في ذلك الوقت وستجد بمنتهي السهولة أن النتائج بقيت فقط حبيسة الحبر والورق الذي حمل هذه التصريحات. أول من قابلنا من أهالي أرض الجمعية\ بامبابة الحاجة كريمة عبد المنعم وكانت عائدة لتوها من إحضار الخبز لأسرتها, بادرناها بسؤال عاملين إيه بعد الأحداث؟! فقالت زعلانين, كلنا نحاول أن نمارس طقوس حياتنا العادية ولكن نشعر, أن هناك شيئا سيئا ولانعرف لماذا حدث ماحدث؟ وأضافت: عرفنا اللي حصل من التليفزيون ووجدنا أقاربنا يتصلون بنا ليطمئنوا علينا ويعرفوا مايحدث في الكنيسة فوجدونا نتابع الأحداث مثلهم ولاندري شيئا غير الذي تنقله وسائل الإعلام. توقف بجوارنا محمد تلميذ الصف السادس الإبتدائي بمدرسة المنيرة بشارع الوحدة بإمبابة قائلا: إحنا زعلانين وخايفين فأنا لا أذهب للمدرسة وقاعد في البيت. لكن سمير جبر صاحب محل أدوات كهربائية أكد أن الحياة عادية جدا ويجب أن تستمر كذلك, مشيرا إلي أن مواعيد الامتحانات بالمدارس والصفوف المختلفة حاليا فلابد أن يذهب التلاميذ لأدائها, ويبدو أن للأطفال نصيب الأسد من مقابلاتنا فبعدها وجدنا محمد سمير8 سنوات في الصف الثالث الإبتدائي الذي كان بصحبة والدته مؤكدا أنها تصحبه للمدرسة ذهابا وإيابا قائلا: عشان خايفة علي وأنا كمان خايف من اللي بيحصل عندنا, أنا عايز مصر تكون بلد كويسه لكن هما مش عاوزين وبسؤاله عمن يقصد فابتسم ولم يجب. عبد الرحمن محسن تلميذ الصف الأول الإعدادي بمدرسة ابن خلدون حكي لي ما أثار الذعر في نفسي خوفا علي الحاضر والمستقبل قائلا: لي زملاء مسيحيون في الفصل نتعامل بشكل عادي جدا لكن ابن أختي قال له زملاؤه المسيحيون في فصله حرام عليكو اللي بتعملوه فينا وفي كنائسنا واحنا يوم الجمعة هنولع لكم في خمسة مساجد مثلما حرقتوا كنائسنا, ومن ساعتها واحنا خايفين خصوصا ان فيهم ناس مش طايقانا من وقت اللي حصل, ولكن عبد الرحمن كما زرع الخوف أيضا غرس الأمل بحرصه علي الاختفاء قليلا ثم الحضور وفي صحبته كيرلس طلعت زميله في المدرسة ولكن في الصف الثاني الإعدادي ومعه صديقه مينا ناصف وطلب مني الاستماع لرأيهم وقالوا فعلا اللي حصل مش صح واحنا أصحاب سواء مسلمين أو مسيحيين وبنحب بعض لكن أصبحنا خائفين حتي حضرت القوات المسلحة وجنودها فشعرنا بالأمان. سألنا كيرلس ومينا من الذي تسبب فيما حدث فكانت الإجابة سريعا السلفيين رغم تأكدنا من أنهما يرددان مايسمعه انه إلا اننا فضلت الانتظار لنسمع المزيد من أطفال, ألمح في عيونهم الذكاء فواصل كيرلس للأسف الثورة انعكست من الناحيتين السياسية والدينية احنا في25 يناير كنا كلنا مصريين لكن الآن أصبحنا فريقين. وأضاف: فين الشرطة المفروض تسيطر علي الأوضاع هنعمل إيه بعد القوات المسلحة ماتمشي؟ وللأسف لم يجد لدينا رد.ا ورغم أن آية عادل زميلته في الصف الثاني الإعدادي شاركته في الرأي إلا أنها زادت قائلة: لازم يقبضوا علي اللي عمل كدوه مينفعش أن إخواتنا المسيحيين كنائسهم تتحرق هما عارفين ان مش احنا اللي عملنا كده, دول أكيد بلطجية لكن أنا بروح المدرسة عادي لأنني مبخافش غير من ربنا. طارق خلف بائع فواكه وخضروات بالمنطقة أكد أن تجارته تأثرت بما حدث قائلة: وقف حال علي الجميع خاصة وقت حظر التجول من الثامنة مساءا إلي السادسة صباحا مفيش حركة والناس كلها متضايقة. من جانبها, قالت الحاجة سماح شقير إمبابي أعيش في إمبابة منذ40 عاما ومش راضية عن اللي حصل فمن وقتها لانعرف سوي القلق خايفين من المصائب اللي احنا فيها. الحاج عبد الستار صابر صاحب محل عصائر بادر قائلا: مصر دي بلدنا كلنا ووقت أحداث الثورة وفي عز الإنفلات الأمني ظلت الكنائس شهرين بدون حراسة وأريد أن أعرف لماذا حدث ذلك الآن؟ وماهي اليد التي وراءها وهل من الداخل أم من الخارج؟ أتمني أن تكون الأحكام قاسية علي المتسببين فنحن جميعا مصريون ونريد العيش في أمان. هناء كامل في طريقها لحضور الجنازة في كنيسة مار مينا أكدت لنا حالة الخوف والهلع عند الجميع قائلة إخوتي مصدر رزقهم من ورشة الخياطة التي يملكونها بإمبابة محل اقامتهم لكنهم أصبحواغير قادرين علي الذهاب إليها وممارسة عملهم خوفا مما يحدث لدرجة أن أمي مرضت بالأمس ليلا ولم نستطع أن نذهب بها للطبيب وأنا متزوجة ومقيمة في مدينة نصر وبين الحين والآخر أتصل بهم لأطمئن عليهم. اختتمنا الجولة بمقابلة القس شاروبيم عوض قس كنيسة الشهيد مار مينا بإمبابة التي شهدت الأحداث الذي أكد أن الأديان السماوية جميعا رسالتها السماحة والسلام ولذلك فإن الدين لله والوطن لنا جميعا. وقال من يخرج منا من المسيحية لانريده ومن يأت إلينا من المسلمين مغيرا دينه لانريده أيضا. ونفي شاروبيم اتهام السلفيين بأنهم السبب في الأحداث مؤكدا أن السلفية الحق هي الإسلام الصحيح الذي يمنع الاعتداء علي المسيحيين وأماكن عبادتهم ولكنهم أشخاص لانعرفهم ولانعرف أغراضهم فهم بلطجية. وطالب القس شاروبيم بالصرامة في مواجهة هذه الأحداث حتي لاتتكرر قائلا: كفانا ما عانينا منه منذ مطلع العام حتي أصبحنا نخشي ماسيحدث كل يوم جديد.