فرضت الأحداث الأخيرة التي يشهدها الشارع المصري من اقتحام لأقسام الشرطة ووقوع حوادث بين العائلات تستخدم فيها الاسلحة النارية والبيضاء والاعتداء علي المستشفيات. إضافة الي خطف الأطفال والمشاجرات بين المواطنين تساؤلا مهما وهو: هل ضاعت هيبة الدولة أمام تلك الأحداث؟ وكان ابرز ذلك ما شهده شارع عبدالعزيز وماسبيرو وقسم الساحل ومستشفي الساحل وغيرها, وكانت البلطجة أيضا هي القاسم المشترك الأعظم في تغيير تلك الأحداث التي وضعت هيبة الدولة في مأزق. ويرتبط بذلك أيضا ما يتعلق بأن بعض الفئات والعناصر فقدت مكاسبها ومصالحها غير الشرعية من وراء أعمال البلطجة فأخذت ترسم وتخطط لتنفيذ سيناريوهات لعبة الرعب وترويع الآمنين وتعطيل المصالح لتدفع هيبة الدولة الثمن. وفي ضوء هذه الأعمال المتصاعدة يتمسك خبراء الأمن وقانونيون وسياسيون واساتذة علم الاجتماع بضرورة تطبيق عقوبات قانون البلطجة علي كل من يثبت دوره في إثارة الشغب وخاصة في أحداث ماسبيرو وشارع عبدالعزيز وأقسام الشرطة والمستشفيات والمنشآت العامة وأن يكون ذلك مصحوبا بعقوبات مشددة. يقول المستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض ان ما نراه من حوادث تتسم بالبلطجة والانفلات لا يعني أن الدولة فقدت هيبتها ولكن نحن نحتاج أن يفهم الناس الفرق بين الثورة والفوضي, وهو فرق جوهري في مدي الالتزام بالشرعية, فلابد من وجود مرجعية للاحتكام إليها وهي الالتزام بأحكام القانون. وأضاف أنه إذا تصور البعض أن الثورة معناها الثورة علي التشريعات والقوانين, فهذا خطأ يؤدي الي الفوضي, والذي تصور بمجرد أن تنجح الثورة أن نخرج عن الشرعية, لا يمكن أن نطلق علي هذا السلوك إلا الجهل. وأكد مكي أنه لا يوجد أبدا أفراد مثقفون أو لديهم أي درجة من الوعي تخرج منهم هذه الأفعال ويجزم بأن من يقوم بهذه السلوكيات من الاضطرابات كان من أصحاب الأدوار السلبية في ثورة25 يناير ويضيف: لا يمكن أن يكون من شارك في ثورة يناير يفعل ذلك لأن الثوار بمعني كلمة ثوار والذين رأوا من ضحي بحياته وشبابه من أجل مصلحة البلد, لا يمكن أن يتسببوا في أي اضطرابات أو أخذ الحق باليد أو التطاول في التعامل مع الآخرين اعتقادا بأنه الأقوي والأحق. وأضاف أن من كان يستطيع أن يأخذ حقه وكان يفعل ذلك قبل25 يناير لا يصح أن يفعله بعدها فلابد من تقليل الاحتكاكات والصوت العالي في المطالبة واستعراض القوة, وهذا هو المطلوب من الناس. وأوضح مكي سأفترض حسن النية فيمن يقوم بأحداث هذه القلاقل المؤثرة علي سير المجتمع للأصلح, وأزعم أنهم جهلة فقط. وأكد أن فكرة وجود محركين أو راغبين في الثورة المضادة لا نستطيع إنكارها لأن المستفيدين من الفساد السابق كثيرون ومدة30 سنة كافية أن تتسبب في وجود عدد رهيب جدا تغلغل في نسيج المجتمع ومن الصعب التخلص منهم في عدة أشهر ولكننا كما اتحدنا في اللجان الشعبية برفض السلوكيات الخارجة يجب أن نرفض العدد الكبير المستفيد من الجهل عند الناس ويتكسب من البلطجة. وأشار مكي الي أن هناك من يتخفي بين الشرفاء والبسطاء ومن يستفيد من هذه الأزمات وليس مرتكبها, والذي يستغل لحساب ثورة مضادة. ولتلافي المزيد من هذه الأحداث والاضطرابات يري مكي أنه يجب وجود قدر من الحسم في تنفيذ القوانين وعلي الجميع بدون تمييز ونشارك بمد يد العون لهذه الحكومة الحالية التي لم نكن نحلم بها حسب تعبيره فلابد أن نعاونهم في تنفيذ القانون ولابد من الوقوف والقيام بوقفة من المواطنين الشرفاء لتطبيق القانون. وأوضح أن المكسب الحقيقي للثورة هو الشفاء من داء السلبية وعودة المواقف الجماعية البناءة. ودعا مكي الي عدم الزج بعبارة تطبيق الأحكام العرفية علي الخارجين والمخربين لأن المصريين عانوا بشدة من تطبيق قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وأمن الدولة طوارئ, ومنظمات حقوق الإنسان لن تترك الأمور تمر بدون بلبلة وأكد أن العيب ليس في نصوص التجريم, فأحكام القانون رادعة وقوية ولم تترك شاردة بدون عقوبة ولكن العيب يكون أحيانا في بطء التقاضي والتمييز بين فرد وآخر في التطبيق. وتقول د.عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: إن ما يحدث الآن في الشارع المصري له مسبباته التي يجب أن نفهمها حتي نقضي عليها فأغلب المواطنين وجدوا أنها فرصة لتغيير النظام والحكومة من خلال اثارة مطالبهم حتي يحصلوا عليها, وبين هؤلاء يندس باستمرار وبشكل عمدي أصحاب الحركات المضادة الذين مازالوا بيننا ينتظرون أي فرصة لإثارة الفوضي والعنف وتري أن الاعتداءات التي حدثت علي الأقسام لخروج المساجين من المفترض أن تكون من ذويهم ولكنها كانت من البلطجية, وأثناء المظاهرات والمطالب الفئوية نجدهم يندسون بداخلهم ويهربون بمجرد حدوث الاشتباكات, فيجب أن نعي ويعي الشعب هذه الأمور بألا يستفز في مطالب وتتحول الي مظاهرات سلمية أما دور الأمن فهو دور مهم, فالأمن لم يكتمل في المجتمع, والبلطجية يستغلون هذا الأمر ويرتكبون العديد من الجرائم لإشاعة البلبلة والعنف داخل الشارع. وتطالب وسائل الإعلام بعدم المبالغة في السلبيات والمظاهرات فعملية تقليد العنف والمظاهر السلوكية الجماعية تأتي من خلال الإعلام فكل فئة تقلد الأخري لتحصل علي مطالبها, وتري أنه يجب ألا تركز علي تفاصيل الحدث السلبية ويجب أن تركز في إيجابيات الشارع المصري في الفترة الأخيرة, حتي يتم تدعيم السلوك الايجابي فكثرة نشر السلبيات توجد نوعا من القلق والخوف. فعلينا أن نشعر المجتمع أنها مرحلة مؤقتة والمطالب الفئوية يمكن تحقيقها فيما بعد, فالإنسان يحتاج الي أن يشعر أن هذه الثورة ستحقق له إيجابيات في المستقبل. وتري د.علياء شكري أستاذة علم الاجتماع والعميدة السابقة لكلية الآداب جامعة عين شمس أن المجتمع المصري له خصوصيته التي لا يفهمها الخارج ولذلك يجب علي الإعلام أن يؤكد أن فعل أي شيء ضد تقدم وبناء الدولة ما هو إلا خيانة عظمي وليس خناقة عادية, حيث أنه بهذا يدمر وطنه. وتضيف أن معظم هذه الخلافات كانت مجرد خلافات عادية في بداية الأمر, وكان من السهل السيطرة والتحكم فيها ولكن نظرا لتدخل بعض المنتفعين والمأجورين زادت حدة هذه الخلافات وتحولت الي صراعات مثل أحداث شارع عبدالعزيز كما أن الشرطة هي بمثابة صمام الأمان في الشارع المصري وحفظ الأمن لا يتأتي الا من خلال عودة هيبة الشرطة, وذلك من خلال الامساك بالبلطجية ومعاقبتهم عقابا فوريا من خلال تفعيل القوانين التي تحد من أعمال البلطجة. وتطالب د.علياء المواطنين بإعلاء قيمة الوطن والمصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية مع أعطاء الشرطة جميع الصلاحيات للتعامل مع المجرمين الذين يهددون أمن الوطن وعليهم أن يتأكدوا أنهم يدافعون عن المواطنين, فيجب عليهم سرعة العودة الي الشارع مع نشر دعوات تدعم العلاقة مع المواطنين, فالثورة لن تستمر في النجاح إلا بعودة الشرطة بكامل طاقتها الي الشارع وتري أنه تجب محاكمة رجال الأمن المتخاذلين عن أداء واجبهم حتي يكونوا عبرة لغيرهم. من جانبه يقول د.عادل مدني أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر انه يوجد الكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية التي تؤثر علي المواطنين, بما يحدث حالة من الغضب داخلهم تحول سلوكهم الي تصرفات عدوانية مع أقرب شخص منهم, فالعنف ظاهرة اجتماعية موجودة قبل الثورة, ولا يمكن أن نقول انها تضاعفت بعدها لعدم وجود إحصائيات توضح ذلك. فالاختلاف أمر عادي ولكن كيف نختلف دون أن يتحول هذا الي صراع. أما النظرة الأمنية لذلك الوضع فنجدها في كلمات الدكتور طارق خضر فتح الله رئيس قسم القانون باكاديمية الشرطة وعضو مجلس الاكاديمية الذي يؤكد أن ما وقع اخيرا من أحداث شغب في شارع عبدالعزيز وماسبيرو يعد نموذجا لما أصبح يحدث بشكل مستمر بعد نجاح ثورة يناير في تحقيق بعض أهدافها السياسية, فقد أصبحت البلطجة ظاهرة تهدد استقرار وأمن المجتمع تضخمت بعد الانفلات الأمني الذي أعقب نجاح الثورة, وهو ما نتوقع ازدياده مع اقتراب الانتخابات البرلمانية. مشيرا الي أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة استشعر هذا الخطر واصدر قانون مكافحة الترويع والتخويف المعروف باسم قانون البلطجة, الأمر الذي يحتم تطبيقه سريعا علي حالات اثارة الشغب وترويع الامنين. ويشير المستشار كمال الاسلامبولي رئيس محكمة سابق الي أن إعادة الثقة بين الشعب والشرطة جزء مهم للقضاء علي ظاهرة الاعتداءات علي اقسام الشرطة والتجرؤ علي القانون وهو ما يلزمه تباعا اتخاذ عدة خطوات لتحقيق الأمن والاستقرار في مصر تبدأ من إعادة هيكلة كاملة لجهاز الشرطة وليس مجرد إصلاح لبعض الاختلالات بحيث يتم فصل بعض القطاعات عن العمل الشرطي وإعادة هيكلة نظام المرور وتفعيل التفتيش علي الشرطة والأهم من ذلك العمل علي تأهيل رجال الشرطة بداية من العسكري العادي في الشارع الي أكبر قيادة وتدريس مواد حقوق الإنسان ونشر ثقافتها بين جميع المواطنين اضافة الي رجال الشرطة. ويري أن قانون مكافحة البلطجة يعد كافيا للتعامل مع الخارجين عن القانون لكن يلزم معه انتشار الشرطة بجميع قواتها في جميع أنحاء الجمهورية لكي تحقق الوقاية من الجريمة قبل وقوعها وأن هذا القانون كفيل بوضع الأمور في نصابها لأن الناس المدفوعة لإحداث الفوضي لابد أن تقابل بمنتهي الشدة ونرجو سرعة تطبيق القانون وفي نفس الوقت محاكمة قتلة المتظاهرين. وكان المجلس الأعلي للقوات المسلحة إزاء حالة الانفلات الأمني بعد ثورة25 يناير وتخلي الشرطة عن مواقعها قد وافق علي إصدار مرسوم قانون برقم7 لسنة2011 والمقدم من مجلس الوزراء بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات رقم58 لسنة1937 وأكد المرسوم في مادته الأولي بابا جديدا الي أبواب الكتاب الثالث من قانون العقوبات يتكون من مادتين برقمي375 و375 مكرر( أ), وهو الباب السادس عشر بعنوان( الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة البلطجة). إن أهم ما تضمنه القانون تشديد العقوبة لمواجهة ظاهرة البلطجة حيث تنص المادة375 مكرر علي المعاقبة بالحبس سنة لكل من يستعرض القوة ضد المواطنين أو يقوم بترويعهم أو التلويح بالعنف أو التهديد, سواء قام الجاني بذلك من نفسه أو بواسطة الغير وهو هنا يؤكد أن الشخص أو الجهة التي تقف وراء تحريض البلطجية علي استخدام العنف أو التلويح به بالمعاقبة بنفس العقوبة. كما تنص المادة375 مكرر( أ), علي عقوبة السجن المشدد20 سنة إذا ارتكبت جناية الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة التي تفضي الي موت, وتكون العقوبة الإعدام إذا تقدمت الجريمة المنصوص عليها في المادة375 مكرر واقترنت أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد. وأكد أن العقوبة لا تقف عند مدة العقوبة فقط بل تتعداها الي فترة مراقبة للشخص المتهم بالبلطجة كعقوبة مقيدة للحريات لمدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليها بحيث لا تقل عن سنة واحدة ولا تتجاوز5 سنوات, أي يظل بهذه العقوبة تحت مراقبة الشرطة لضمان عدم عودته الي أعمال البلطجة مرة أخري. كما تضمن فعل البلطجة أن يقوم الشخص بنفسه أو باصطحاب حيوان يثير الذعر كما حدث في موقعة الجمل أو يحمل أي أسلحة أو عصا أو آلات أو أدوات أو مواد حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرة أو منومة أو أية مواد أخري ضارة, أو إذا وقع الفعل علي أنثي أو علي شخص لم يبلغ18 سنة ميلادية كاملة.