الأمل, هو أجمل وأجل نعمة منحها الله البشر, فهو الذي يعطي قيمة ومعني للحياة, ولولاه ما كان إنسان صمد أمام المحن والهموم, فهو أعظم دليل علي الإيمان, وأسمي تعبير عن المشاعر النبيلة, وأقوي إحساس يختلج داخل الروح. وأظن أنه بدون أمل, لا توجد حياة, فالحياة والأمل, معنيان مترادفان. والغريب أن الأمل يختلف في مضمونه, وفي طريقة التعبير عنه من شخص لآخر, فكل إنسان ينظر للحياة بمنظور خاص للغاية, ونظرته هي المرآة التي تعكس ما بداخله من أحاسيس, وقدرته علي استيعاب مقدرات الحياة, وربما يكون هذا ما يذهلني. عندما أجد أشخاصا يتعايشون مع الحياة علي أنها أيام معدودة, سترحل تدريجيا, ويتناسون أن هذه الأيام تمر من أعمارهم, وأنهم لن يستعيدوها حتي لو دفعوا ملء الأرض ذهبا, فلماذا يضيعون أعمارهم دون الاستمتاع بها, رغم أن اليوم الذي يذهب قطعا لن يعود. والأفضل أن يكون هناك أمل يحيا به الإنسان; حتي لو كانت الظروف تبدو أنها ضده, فلو أراد سيطوع هذه الظروف لصالحه لا محالة, فالأمل يمكن أن يكون في مجرد ابتسامة بسيطة مرسومة علي الوجه والشفاه, وأن تكون صافية ونابعة من القلب, متجردة من خبائث الحياة, ونقية من آلام ومشاق الدنيا. وأذكر أن هذه الابتسامة غيرت مجري حياة شخصية تماما, فقد كان هناك شاب يذهب صباح كل يوم إلي الكلية, فيري فتاة جميلة مطلة من النافذة, ويعود من الكلية بعد الظهر, فيجدها لا تزال في النافذة; حتي خفق قلبه ولم تقل له أية كلمة, ولم تشر له بأية إشارة, وإنما كانت ابتسامتها تتكلم وتتحدث, وتغني عن أي شيء, فأحس أنها تنتظره هو وحده, وتبتسم له وحده, دون عشرات الألوف من الناس, الذين يمرون في هذا الشارع, وكان في بعض الأحيان يتعمد التأخير فيجدها في انتظاره, وكان أحيانا يقدم الموعد فيجدها في انتظاره تبتسم له, فأحس أنها أجمل فتاة في العالم, وأن ابتسامتها أحلي ابتسامة في الدنيا, وكان انتظارها الدائم له يفعل في نفسه فعل السحر, لأول مرة يجد فيها أحدا يهتم به, ويبتسم له. تقدم في دراسته من أجلها, ونال بكالوريوس الهندسة, وسافر في بعثته إلي أمريكا, ثم عاد ومر من تحت نافذتها, فوجدها مازالت مبتسمة, لم تغضب لغيابه الطويل لحصوله علي الدكتوراه, كان متيقنا أنها ستتفهم الوضع, مادامت ستعرف أنه فعل كل هذا من أجلها, وذهب لخطبتها من أبيها, فهز الأب رأسه وقال: هل ابنتي تعرفك؟, فأجاب:نعم, إنها تعرفني منذ ثماني سنوات, وتبتسم لي كل يوم, فقال الأب, والدموع تنهمر من عينيه:ولكنها عمياء يا بني. لم تر عيناها النور منذ ولادتها!. وإذا بالدكتور المهندس يصر علي أن يتزوج بها وهي عمياء, فدهش الأب, فقال المهندس:إنني مدين لها بهذه الابتسامة بكل ما وصلت له في حياتي. والمرأة التي تصمد لهذا العجز, وتبتسم للدنيا رغم حرمانها من أن تري جمالها, هي امرأة رائعة. وتزوجها بالفعل, وسارت معه في طريق الحياة, ووقفت بجانبه في الشدائد, ومازالت عيناها العمياوان أجمل عينين رآهما في حياته. وهكذا, فلولا الأمل ما كان الشاب شق طريقه ونجح في الحياة; حتي يكون أهلا لحب فتاته, وأيضا الابتسامة الدائمة لهذه الفتاة رغم عجزها, تدل علي أن محنتها لم تؤثر علي يقينها بأن الأيام ستجلب لها ما يعوضها عن حرمانها من أغلي نعمة عضوية, يتمتع بها البشر وهي البصر, وهكذا فالابتسامة هي سر الأمل.