استكمالا لحديث سابق حول العلاقات الإيرانية الخليجية,تجدر الإشارة إلي أن التيار المعتدل في إيران, والذي يمثله الرئيس روحاني, خاصة بعد رحيل عميده هاشمي رفسنجاني قبل اسابيع, يري أهمية وضرورة العمل بشكل جاد لإيضاح حقيقة المواقف الإيرانية, خاصة حيال دول مجلس التعاون الخليجي, ليس خوفا مما قد تصل إليه اندفاعة الرئيس الامريكي ترامب في مواقفه العدائية لإيران فحسب, فهذه لها سقف لن تتجاوزه في النهاية,ولكن أيضا لإدراك طهران أن مصالحها هي في التقارب مع دول الخليج السبع الأخري( دول مجلس التعاون والعراق) بالإضافة إلي مصر والجزائر..وبالتالي فان فتح قنوات لتجاوز الخلافات مع السعودية ودول مجلس التعاون يعد أمرا يستحق التفكير والعمل من أجله,خاصة وان دول مجلس التعاون بادرت بارسال وزير خارجية الكويت الي طهران في25 ديسمبر2016 حاملا رسالة من دول مجلس التعاون تدعوها لفتح صفحة جديدة في العلاقات تقوم علي مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية. ومع أن الرياض حاولت التنصل من تلك الرسالة, في البداية, كما هاجم الجبير طهران بشدة أمام مؤتمر ميونيخ للامن يوم19 فبراير, بوصفه إيران بأنها اكبر دولة راعية للإرهاب مشترطا تغيير إيران لسلوكها وسياساتها, فانه قبل ان يمضي أسبوع علي التراشق مع محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران أمام مؤتمر ميونيخ للأمن, كان الجبير في بغداد. وفي ضوء ذلك, فانه من الواضح أن محادثات الرئيس الايراني مع السلطان قابوس, ومع أمير الكويت,يوم15 فبراير,ثم محادثات أمير الكويت مع السلطان قابوس يوم20 فبراير, حيث قام بزيارة دولة لمسقط, شهدت حفاوة بالغة به,قد خلصت إلي أن إيران راغبة بالفعل,وأنها جادة في فتح صفحة جديدة, في علاقتها مع دول مجلس التعاون أو الأصح مع بعضها. ولعل الثقة في هذه الرغبة تنبع بدرجة كبيرة من أنها جاءت من خلال سلطنة عمان, التي تحظي باحترام شديد من جانب إيران, التي يحرص قادتها علي الاستماع جيدا للسلطان قابوس وتقييمه للتطورات في المنطقة, وبالطبع لم يأت التحرك الإيراني, كما افترض البعض, بحثا عن مخرج بسبب التطورات أو الهزائم بالمفهوم العربي- في سوريا واليمن, ولكنه جاء لحسابات إيرانية واستجابة كذلك لرغبة عربية, بدت قوية وجادة بحكم مواقف الأطراف العربية المعنية الآن, ولذا جاء التحرك الإيراني علي مستوي روحاني ذاته,ومع السلطان قابوس وأمير الكويت, اللذين يحتفظان بعلاقات طيبة مع طهران. وقد أكد روحاني هذا الموقف في تصريحاته قبيل جولته الخليجية. تعني زيارة وزير الخارجية السعودي لبغداد يوم25 فبراير,بوضوح نجاح زيارة روحاني لمسقطوالكويت,ولولا هذا النجاح لما ذهب وزير الخارجية الجبير إلي بغداد للحديث عن رغبة في تحسين العلاقات ودعمها بين الرياضوبغداد,وهو أمر يدرك الجبير انه يفتح قناة اتصال أخري نحو طهران, التي اضطرت الرياض إلي سحب سفيرها من بغداد بعد مهاجمته للعلاقات الإيرانيةالعراقية قبل أشهر قليلة. من جانب آخر فان زيارة الجبير لبغداد لها في الواقع أكثر من وجه, سواء بحكم تنامي العلاقات المصرية العراقية وان كان من غير المرجح أن تسعي الرياض إلي التأثير غير الايجابي في ذلك, لأنه لو تم فانه سيكون سلبيا جدا علي العلاقات المصرية السعودية, التي نتمني لها الخروج من عثرتها كما أن زيارة الجبير تأتي قبيل القمة العربية الثامنة والعشرين في العاصمة الأردنية أواخر مارس2017 وما قد تشهده من مواقف بين الأشقاء نتمني ان تكون في اتجاه تحسين العلاقات العربية. ومع التأكيد علي أن المصالح العربية تقتضي العمل بكل الوسائل للحفاظ علي وحدة سوريا, ولاستعادة العراق إلي الحضن العربي, كدولة عربية فاعلة ومؤثرة وداعمة للقضايا العربية, وهو ما تسعي إليه مصر, فان فتح قنوات اتصال أخري مع إيران عبر بغداد لا يضر ولا يسيء إلي مسقط ولا إلي الكويت, لأنهما تعملان بإخلاص من أجل تحسين العلاقات بين كل دول المنطقة, وبالذات بين دول الخليج الثماني, وعلي أساس من البعد عن الاستقطاب, السياسي أو العرقي أو المذهبي. أما تركيا التي تريد أن تلعب دور البودي جارد,مدفوع الثمن بالطبع, فإنها تلعب لعبة خطرة بمحاولة إقامة مناطق آمنة في سوريا, وبالإصرار علي الاستمرار بالاحتفاظ بقواتها في بعشيقة بالعراق, وذلك في انتهاك للسيادة السورية والعراقية,وقد طلب وزير خارجية العراق من الجبير إدانة الوجود العسكري التركي في العراق وحث الجانب التركي علي الانسحاب من العراق. علي اية حال فان تركيا تعمل لمصالحها, وهي معروفة ومكشوفة, وخلال الأيام والأسابيع القادمة ستظهر بعض نتائج التحركات الأخيرة,ولعلها تصب في صالح القمة العربية القادمة ودعم العلاقات العربية العربية وبدرجة لا تقل عن دعم العلاقات العربية الإقليمية التي تحتاج الي البعد عن الاستقطاب ولا تحتاج إلي البودي جارد الذي يبحث فقط عن المصاري او الأموال.