ليس من المبالغة في شيء القول إن منطقة الخليج, بدولها الثماني, دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست والعراقوإيران, تمثل أحد أطراف العصب العربي, بمعني أن التحركات والتقاطعات والمؤشرات المبكرة علي صفحتها, تعد علي جانب كبير من الأهمية في الكشف عن منافسات وصراعات أطراف إقليمية ودولية, تعمل بكل السبل من اجل تعظيم مصالحها, او علي الأقل الحفاظ عليها, ومحاولة الاستفادة, إن أمكن, من حالة الضعف والتشرذم العربي, وميل البعض إلي إثبات الذات, ولو بتأجير البودي جارد, والتباهي به, كما يحدث أحيانا من جانب بعض التواقين لجذب الانتباه أو لإظهار مكانة يشعرون بعمق افتقادهم إليها, أو يتطلعون إلي تحقيقها. في هذا الإطار جرت خلال الآونة الأخيرة عدة تحركات, ذات ثقل سياسي كبير, بحكم أطرافها, فقد قام الرئيس الإيراني حسن روحاني بزيارة مسقطوالكويت, لعدة ساعات, يوم15 فبراير2017, وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد زار المنامةوالرياض والدوحة, قبل ذلك بأيام(12 إلي15 فبراير), ثم قام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد بزيارة مسقط في20 فبراير, وعقد مجلس التنسيق السعودي الإماراتي, أول أنشطته التي أطلق عليها, خلوة العزم, التي شهدت اجتماعات نحو150 مسئولا من الجانبين السعودي والإماراتي, وذلك في أبو ظبي يوم21 فبراير برئاسة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والشيخ منصور بن زايد نائب رئيس الوزراء وزير شئون الرئاسة بدولة الإمارات, لبحث مختلف جوانب العلاقات والتنسيق بين الجانبين والتطورات في الحرب اليمنية. ثم قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارة الي بغداد, أثارت الكثير من التساؤلات لفجائيتها وعدم الإعلان المسبق عنها, واستغرقت الزيارة عدة ساعات يوم25 فبراير.2017 وبذلك فان التحركات شملت في الواقع كل دول الخليج الثمانية, بالإضافة إلي تركيا, وتزامن معها اتصالات مصرية عراقية أكدت خلالها العراق قوة علاقاتها بمصر, وبدء إمداد مصر بمليون برميل من النفط العراقي شهريا اعتبارا من أوائل مارس.2017 وإذا كانت هذه التحركات تعبر بوضوح عن محاولات متسارعة, خليجية وإيرانية وتركية, لترتيب الأوضاع, أو الإعداد لذلك علي الأقل, استعدادا لاحتمالات, لا يمكن لأحد التنبؤ بها بشكل دقيق, فان ما يجري, لا ينفصل أيضا, عن تولي إدارة ترامب لمهامها في حكم الولاياتالمتحدة وإعادة صياغة مواقفها حيال مختلف القضايا, ولا عن ما يحدث في سوريا من محاولات روسية لترتيب أوضاع يمكن أن تفتح الطريق لتسوية سياسية بتعاون أمريكي لا يزال في موقف عدم الحسم حتي الآن علي الأقل- بغض النظر عن نتائج جولة جنيف4 التي عقدت24 و25 فبراير بين الحكومة السورية وممثلي المعارضة السياسية والعسكرية السورية, كما انه لا ينفصل عما يجري في اليمن أيضا, ومحاولة قوات التحالف العربي تحقيق مزيد من التقدم علي الأرض, وحصار صنعاء بشكل اكبر إن أمكن. وفي الوقت الذي تسعي فيه الرياض, بشكل واضح, نحو دعم التحالف العربي الذي تقوده في الحرب ضد الحوثيين في اليمن والذي يبدأ عامه الثالث في26 مارس2017( بدأت عاصفة الحزم في26 مارس2015) سواء بتفعيل مجلس التنسيق السعودي الإماراتي, أو بزيادة مشاركة القوات السودانية في الحرب, حيث قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة الرياضوأبوظبي في فبراير أيضا, فان أردوغان يحاول الاستفادة إلي أقصي مدي من قطروالإمارات والسعودية, ليس فقط اقتصاديا, ولكن أيضا بضمان موافقتها او سكوتها علي قيامه بإنشاء مناطق آمنة في سوريا علي الحدود مع تركيا وإدخالها ضمن النفوذ التركي, بعد دخول قوات تركية شمال سوريا, مستغلا حديث ترامب عن إنشاء مناطق آمنة في سوريا. ولذا لم يكن مصادفة أن ينتقد أردوغان ووزير خارجيته إيران بشدة خلال جولته الخليجية, وهو ما احتجت عليه إيران وردت عليه بشدة. وفي ظل الحقيقة الأساسية, المتمثلة في أن العلاقات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبين إيران, تشكل ركيزة أساسية للاستقرار في الخليج, وان ما يجري في نطاق هذه العلاقات ينعكس بالضرورة علي الأوضاع في الخليج والمنطقة من حوله, فانه ليس مصادفة أبدا ان يستقبل السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الرئيس الإيراني يوم15 فبراير, ثم أمير الكويت يوم20 فبراير, وهو ما كان له دور ما في تمهيد الطريق, أو تشجيع الرياض علي إرسال وزير خارجيتها الي بغداد, بعد عشرة أيام فقط من جولة روحاني, وهو أمر له دلالته بالطبع, ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلي ما يلي باختصار شديد: أولا: انه مع الوضع في الاعتبار أن السياسات والمواقف الشعبوية, القائمة علي الشحن والحفاظ علي الحشد الداخلي لدعم النظام, وتغذية التطلعات الإيرانية للتمدد الخارجي وزيادة النفوذ التي تتسم بالاستمرارية أدت إلي تصدير صورة إيرانية أضخم وأكثر خطورة بكثير, مما تتحمله أو تقدر عليه, الإمكانيات الإيرانية الحقيقية عسكريا واقتصاديا- وهو ما غذته تصريحات عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني, استغلتها وتستغلها القوي المناوئة لإيران, لتبرير مواقفها حيالها, أو لتبرير سياساتها علي هذه الساحة او تلك, والمواقف السعودية تعطي نموذجا واضحا لذلك..(وللحديث بقية).