لعظمة سيناء كثير من العناوين, لكن عنوان شهرتها يمكن ملاحظته في كونها الدرع الحصينة, التي تقي مصر شر الغزوات, وهكذا تبوأت مكانها المرموق في دائرة الأمن القومي المصري منذ الأزل. وستظل تتبوؤه بمشيئة الله إلي الأبد.. وليس أدعي إلي اقناعنا من تلك الشواهد التاريخية, التي سجلتها سجلات التاريخ والآثار المصرية, ومن خلالها خلف الأسلاف تراثا هو قوة حية في الزمن الحاضر. استوطن الانسان سيناء طوال عصورها الحجرية( قديمها ووسيطها وحديثها) ويبدو أن اهتمام المصريين بما في سيناء من المعادن. قد بدأ في عصر ماقبل الأسرات, ولكن علي نطاق ضيق, ومع بداية عهد الأسرة الأولي, جاوزوا الحدود ليس لدفع غارات سكان سيناء وما وراءها من البدو والحضر فحسب بل لأنهم كانوا قد رسموا لأنفسهم خطة لاحتكار النحاس والفيروز, اللذين قلبا الحياة السياسية والاقتصادية للشعب المصري رأسا علي عقب. ومثل هذه الاعتبارات كانت قمينة بأن تقود إلي ايقاظ أطماع الحر يوشح أي الذين فوق الرمال من سكان سيناء آنذاك والعامو جيرانهم المتاخمون لهم( الكنعانيون) حينما تبين لهم أن المصريين يستخرجون النحاس من سيناء, يصنعون منه سلاحهم وأدواتهم وأوانيهم وحليهم, وهكذا منذ نعرمر نشأ الغزو الحربي مرتبطا بالأطماع الاقتصادية واستولت أول حكومة مطلعة عرفها التاريخ علي مناطق المناجم في سيناء حوالي عام3100 ق.م وبدأت سلسلة طويلة من الحروب الاقتصادية. وتشهد الأسرة الفرعونية الثالثة اهتماما واضحا بسيناء وحذت حذوها الأسرة الرابعة, التي تزايد اهتمام ملوكها بمناجم سيناء ولم يقتصر الأمر عندهم علي مجرد الحملات الحربية وماتحدثه من أثر مؤقت, بل أخذوا في بناء الحصون, فنري سنفرو يبني الحصن المعروف ببوابة ايمحتب ليأمن شر البدو الساكنين شرق برزخ السويس, كما أقام التحصينات لتأمين حدود مصر الشرقية, حتي اعتبرته الأجيال التالية معبودا حاميا للمنطقة إلي جانب حتحور وسوبد وقد أقيمت الحصون في وادي المغارة, وحفرت آبار المياه علي امتداد الطرق المؤدية إلي المناجم, وقد عثر علي نقوش من عهد سنفرو تصوره يقضي علي الخارجين عن القانون, الذين يهددون بعثات التعدين. واستمر خوفو علي سياسة أبيه التي اتبعها أيضا ملوك الأسرتين الخامسة والسادسة مما له دلالة علي اصرار الحكومة المركزية علي بسط سيطرتها وفرض الأمن في هذه المنطقة, ولكن الأمور آلت للنقيض طيلة عهود الأسرات من السابعة حتي نهاية الأسرة العاشرة, فكانت حدود الدلتا آنذاك معرضة لغزو بعض جماعات من البدو السينائيين ومن جاورهم, ولكن الأمور عادت إلي مسارها الصحيح, عندما استردت مصر وحدتها وكيانها في عهد الأسرةالحادية عشرة وعادت حملات التأديب للبدو الخارجين علي السلطة في مصر, لتأمين حركة التجارة بين مصر وجيرانها عبر سيناء وإقامة امنمحات الأول التحصينات التي تعرف باسم حائط الأمير نموذجا. ويستفاد من وثائق الدولة الوسطي, أن إدارة المناجم والتعدين, كانت هي التي تنظم البعثات التعدينية, وكانت ترسل معها جماعات من قوات الجيش لتأمين الطرق المؤدية إلي المناجم البعيدة في الصحراء وتمر مصر بعصر الانتقال الثاني, وأظهر مايتجلي فيه ظهور الهكسوس الذين أثبتت الدلائل الآثارية أنهم سكان الأغوار الفلسطينية وقصتهم في مصر باتت مشهورة, سنتغاضي عن تفاصيلها وحسبنا الإشارة إلي أنه بعد معركة التحرير, أدرك ملوك الأسرة الثامنة عشرة أن الهجوم خير وسائل الدفاع ومن ثم لم يعد لسيناء مجرد الدور المتمثل في التجارة والتعدين وإنما أصبح محتما أن تلعب دورا عسكريا يتناسب مع مايجري علي مسرح الأحداث في منطقة الشرق القديم, ومع زحف الجيوش المصرية لتكوين إمبراطورية الأطراف ظهر طريق حورس أقدم طريق حربي في تاريخ العالم القديم سارت عليه جيوش مصر عند ذهابها إلي غرب آسيا وتخبرنا وثائق تحتمس الأول أنه قام بحملة تأديبية ضد بدو جنوبفلسطين لتأمين حدود البلاد الشرقية وبالتالي تأمين مناجم النحاس والفيروز بسيناء وجريا علي هذا النسق تخبرنا وثائق حتشبسوت ونعرف من وثائق الدولة الحديثة, كم من الجهد بذله ملوك هذه الفترة لتأمين التجارة والجيوش من خلال التعرف علي عدد الحصون والقلاع التي أقاموها, وكذلك مراكز التموين والامداد والآبار التي حفرت ويبدو أن الأمور قد سارت علي هذا المنوال في بداية عهد الأسرة العشرين ولم تتغير إلا في نهاية هذا العهد, نظرا لاضطراب الأمور الداخلية فلم تعد لملوك مصر القوة ولا القدرة علي أن يكفلوا الأمن في هذه المناطق والطرق المؤدية إليها, وعلي أي حال, ظلت سيناء تلعب دورها كجزء من أرض مصر طوال العصور المتأخرة, رغم انحسار المد المصري العسكري وبين الحين والآخر كان الجيش المصري في فترات الصحوة يجتاز سيناء للتعامل مع الدول المجاورة, إذا مافكرت في الاعتداء علي مصر. وباختصار يتبين من كل ماسبق ذكره أنه بقدر ما كان طريق حورس الحربي عاملا من عوامل الانتصارات العسكرية المصرية, كان أيضا وبالا علي مصر في بعض الفترات فقد سلكته جيوش الأشوريين والفرس واليونان والرومان والبيزنطيين.. وعلي أية حال كانت موانئ سيناء عامرة بالنشاط طول العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية, ولما افتتح العرب المسلمون مصر عبر سيناء, هاجرت إليها كثير من القبائل العربية, واندمجت بسكانها الأصليين, وظلت في كنف الدول الإسلامية الطريق الأساسي الموصل بين البحرين الأحمر والأبيض, والطريق التجاري الأساسي فضلا عن طريق الحج, حتي فترة الحروب الصليبية, إذ تغيرت استراتيجية سيناء كلية كحصن ضد الغزو, بيد أنه كان من نتيجة انتصار صلاح الدين الأيوبي أن استرد المواقع المهددة في كل انحائها ثم بدأ بتحصينها, كما اهتم سلاطين المماليك بسيناء اهتماما خاصا لأسباب تجارية ودينية, وحذا حذوهم العثمانيون, وانسحب هذا الاهتمام علي عصر محمد علي باشا والعصور التي تلته. ومادام الأمر كذلك فمن حق القارئ الذي أفسح صدره لي أن يسأل لماذا آلت الأمور في سيناء, إلي مانراها عليه اليوم؟! وهذا أمر لانستطيع أن نقطع فيه برأي حاسم, أما الأمر الثابت لدينا فهو أن الفساد الإداري الذي طال مصر بأكملها. كان لسيناء منه النصيب الأوفر, مما أعطي للأجندات الخارجية الفرصة لأن تصول وتجول في هذا الجزء الغالي من أرض مصر وعلي رأسها الأجندة الإسرائيلية ولكن من حسن حظ مصر وسيناء أن رياح ثورة25 يناير قد أتت بما لاتشتهي سفن تلك الأجندات, وليس أدل علي ذلك من عزم رئيس الوزراء عصام شرف علي زيارة جنوبسيناء يوم احتفالها بعيد تحريرها, ولقاء شيوخ قبائلها للاستماع إلي مطالبهم والعمل علي حلها مما لم تعهده سيناء من رئيس وزراء طوال حكم النظام السابق. رئيس مركز التراث الفلسطيني