عرفت مصر كيف تحمي حدودها الشرقية وتحافظ علي الاستقرار في سيناء, قبل قيام دولة اسرائيل, وقبل ظهور حركة حماس. بأكثر من خمسةآلاف عام خلت. هناك فكرة مقبولة لدي كثير من المؤرخين, فحواها ان مصر, ومنذ بزوغ فجرالتاريخ لم تدخر جهدا في سبيل مواجهة الاخطار التي تهددها من جهة الشرق, فسكان سيناء وما وراءها من البدو والحضر, كانوا كثيرا ما يثيرون الاضطرابات, ويتسللون عبر حدود مصر الشرقية, ويبدو ان اهتمام المصريين بما في سيناء من المعادن, قد بدأ في عصر ما قبل الاسرات, ولكن علي نطاق ضيق. ومع بداية عهد الاسرة الاولي جاوزوا الحدود, ليس لدفع غارات البدو فحسب, بل لانهم كانوا قد رسموا لانفسهم خطة لاحتكار النحاس, والفيروز اللذين قلبا الحياة السياسية والاقتصادية للشعب المصري راسا علي عقب, مما ايقظ اطماع الحريوشع اي الذين فوق الرمال من سكان سيناء انذاك, والعامو جيرانهم المتاخمون لهم العامو هم الكنانيون سكان فلسطين الاصليين المتاخمين لهم ان المصريين يستخرجون النحاس من سيناء, يصنعون منه سلاحهم وادواتهم واوانيهم وحليهم. وهكذا منذ نعرمر نشأ الغزو الحربي مرتبطا بالاطماع الاقتصادية, واستولت اول حكومة مطلقة عرفها التاريخ علي مناطق المناجم في سيناء لحاجتها اليها حوالي عام3100 ق.م وبدأت سلسلة طويلة من الحروب الاقتصادية حيث نري نقشا صور عليه الملك جر 3000 ق.م يسجل بعثة الي سيناء وقد رسم الملك دن 2950 ق,م وهو يسحق البدو, وبعده صور الملك سمرخت 2900 ق.م يقبض بيده علي شعر بدوي يستجير, ويرفع فوقه المقمعة, ليهوي بها علي رأسه, معيدا بذلك الدافع الاساسي للوحة نعرمر, وقد تكرر هذا المنظر في لوحات ملوك الاسرة الثالثة. اما ملوك الاسرة الرابعة, فلم يقتصر الامر عندهم علي مجرد الحملات الحربية, بل اخذوا في بناء الحصون ليأمنوا شر البدو الساكنين شرق. برزخ السويس, كما اقاموا التحصينات لتأمين حدود مصر الشرقية, كما اقيمت التحصينات في وادي المغارة, وعثر علي نقوش من عهد سنفرو تصوره وهو يقضي علي الخارجين عن القانون, الذين يهددون بعثات التعدين واستمر خوفو علي سياسة ابيه التي اتبعها ايضا ملوك الاسرتين الخامسة والسادسة, مما له دلالة علي اصرار الحكومة المركزية علي بسط سيطرتها وفرض الامن في هذه المنطقة, ذلك انها كانت دائما معرضة للاضطرابات واختلال الامن فيها. ودارت عجلة الزمن, ولكن ليس لحساب الامن والاستقرار في سيناء ففي اواخر عهد الاسرة السادسة, وطيلة عهود الاسرات السابعة حتي نهاية الاسرة العاشرة, كانت حدود الدلتا انذاك معرضة لغزو بعض جماعات من البدو السينائيين ومن جاورهم. ولكن الامور عادت الي مسارها الصحيح, عندما استردت مصر وحدتها وكيانها في عهد الاسرة الحادية عشرة, فوجدنا بعض ملوكها يرسلون حملات لتأديب البدو الخارجين علي السلطة في مصر, لتأمين حركة التجارة بين مصر وجيرانها عبر سيناء, وتقدم ملوك الاسرة الثانية عشرة خطوة اخري نحو التأمين, فنري امنمحات الاول يقيم التحصينات التي تعرف باسم حائط الامير ويحدثنا نسومنتو مبعوث الملك لتأديب البدو في سيناء: قهرت سكان الكهوف من الآسيويين وسكان الرمال, وخربت معاقل البدو ونجد مثل ذلك في عهد ابنه سنوسرت الاول كما تتحدث الوثائق من عهدي الملكين سنوسرت الثالث وامنمحات الثالث عن اهتمامها بتحقيق الاستقرار في سيناء. ويستفاد من وثائق الدولة الوسطي, ان ادارة المناجم والتعدين كانت هي التي تنظم البعثات التعدينية, وكانت ترسل معها جماعات من قوات الجيش, لتأمين الطرق المؤدية الي المناجم البعيدة في الصحراء,وتمر مصر بعصر الانتقال الثاني, واظهر ما يتجلي فيه ظهور الهكسوس ومن الحقائق التاريخية المتواترة, انهم سكان الاغوار الفلسطينية, والذين استقروا في شرق الدلتا, وبعد معركة التحرير, ادرك ملوك الاسرة الثامنة عشرة, ان الهجوم خيروسائل الدفاع, وبالنتيجة, لم يعد لسيناء مجرد الدور الاقتصادي المتمثل في التجارة والتعدين, وانما اصبح محتما ان تلعب دورا عسكريا يتناسب مع ما يجري علي مسرح الاحداث في منطقة الشرق القديم, ومع زحف الجيوش المصرية لتكوين امبراطورية الاطراف ظهر طريق حورس اقدم طريق حربي في تاريخ العالم القديم سارت عليه جيوش مصر عند ذهابها الي غرب آسيا, وقد سهل كثيرا من تحركات الجيش المصري,وتخبرنا وثائق تحتمس الاول انه قام بحملة تأديبية ضد بدو جنوبفلسطين, لتأمين حدود البلاد الشرقية, وبالتالي تأمين مناجم النحاس والفيروز بسيناء, وهذه حتشبسوت تتحدث عن جهودها في اقرار الامن في سيناء في نقش يقول:وبلاد رشوات اي سيناء لم تعد مختفية بعد عن عين شخصي العظيم, والطرق التي كانت مغلقة اصبحت مطروقة, ونعرف من وثائق الدولة الحديثة, كم من الجهد بذله ملوك هذه الفترة لتأمين التجارة والجيوش, من خلال التعرف علي عدد الحصون والقلاع التي اقاموها, وكذلك مراكز التموين والامداد والابار التي حفرت, وتنال سرابيط الخادم النصيب الاوفر من تلك الجهود, ويبدو ان الامور قد سارت علي هذا المنوال في بداية عهد الاسرة العشرين, ولم تتغير الا في نهاية هذا العهد, نظرا لاضطراب الامور الداخلية, فلم تعد لملوك مصر القوة ولا القدرة علي ان يكفلوا الامن في هذه المناطق والطرق المؤدية اليها, وعلي اي حال, ظلت سيناء تلعب دورها كجزء من ارض مصر طوال العصور المتأخرة, رغم انحسار المد المصري العسكري, وبين الحين والاخر, وكان الجيش المصري في فترات الصحوة يجتاز سيناء للتعامل مع الدول المجاورة, اذا ما فكرت في الاعتداء علي مصر, وهكذا يمكننا ان نخلص الي انه بقدر ما كان طريق حورس الحربي عاملا من عوامل الانتصارات العسكرية المصرية الا انه كان وبالا علي مصر في بعض الفترات فقد سلكته جيوش الاشوريين والفرس واليونان والرومان والبيزنطيين, وكانت موانيء سيناء عامرة بالنشاط طوال العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية. ولما افتتح العرب المسلمون مصر عبر سيناء, هاجرت اليها كثير من القبائل العربية واندمجت بسكانها الاصليين وظلت في حقبتها الاسلامية الطريق الاساسي الموصل بين البحرين الاحمر والابيض والطريق التجاري الاساسي فضلا عن طريق الحج حتي فترة الحروب الصليبية اذ تغيرت استراتيجية سيناء كلية, كحصن ضد الغزو, وكان من نتيجة انتصار صلاح الدين الايوبي ان استرد المواقع المهددة في كل انحائها ثم بدأت بتحصينها, كما اهتم سلاطين المماليك بسيناء اهتماما خاصا لاسباب تجارية ودينية فغدت الطور في عهدهم محور التجارة العالمية وحذا حذوهم العثمانيون, وقد انسحب هذا الاهتمام علي عصر محمد علي باشا والعصور التي تلته. وهكذا يمكننا ان نخلص الي ان الاسلاف, قد خلفوا تراثا, بامكاننا ان نجعله قوة حية في الزمن الحاضر, فمن المستحيل ان نفهم انفسنا ونقدر قدراتنا الا اذا الممنا بماضينا الذي نحن من صنعه ونسيجه بل ان فهمنا لماضينا ما هو إلافهم لذواتنا, ومن خلال هذه المعطيات وبها, فإن الثمرات المرة التي جوبهنا بها في بعض مناطق سيناء لم تكن للتنضج من تلقاء نفسها, بل علي شجرة الاجندات الخارجية اسرائيل وايران وحماس سواء بسواء. مستغلين البعض ممن لا يتورعون من اجل قطف ثمرة, ان يقطعوا شجرة.