كلما حلت ذكري حرب67 أفاضت كتابات في اسرائيل في تناولها وتحليلها, بماتعرفه ولم تعد تتستر عليه مثلما كان يحدث قبل سنوات وصار البعض يجاهر بما يكذب وجهة النظر الرسمية عن ظروف قيام حرب الأيام الستة, وأسبابها التي حولتها المؤسسة الرسمية الاسرائيلية الي عقيدة. وبعض ماأصبح يكتب هناك يفضح الكثير من الأسباب غير المعلنة أو غير المقبول الاعتراف بها وحقيقة الانتصار السريع. حتي ان من هؤلاء من قال: كان من الصعب علي الجنرالات الاسرائيليين أنفسهم أن يصدقوا انهم استطاعوا تحقيق انتصارهم بهذه السرعة. وبالرغم مما تكشف منذ رفع الحظر عن الوثائق السرية الوطنية فإن كثيرين من المختصين في اسرائيل يؤكدون ان الكثير من أسرار هذه الحرب مازال في طي الكتمان. وهو ماأشارت اليه صحيفة معاريف في مقال للمعلق السياسي حاييم هانجابي يقول: ان حرب67 لم تستوف ماتستحقه من أبحاث حول كل أبعادها. ويجب أن نتذكر ان الجيش كان لايزال تحت القيادات العسكرية لقوات البالماخ( وحدة رئيسية في حرب48) وهم الذين كانوا يتلهفون علي انتهاز فرصة قيام الحرب في67 لاستكمال مالم يستطيعوا تحقيقه في حرب48 وهو الاستيلاء علي أراضي فلسطين من خلال القوة العسكرية وتحقيق حلم اسرائيل الكبري. حرب الأيام الستة وتشكيل الشرق الأوسط الحديث وكل هذه المعاني يثيرها كتاب المؤرخ الاسرائيلي مايكل أورين عن حرب1967 والذي رجع الي الوثائق المتاحة في الأرشيف الوطني الاسرائيلي بعد انتهاء فترة الحظر ومدتها30 عاما واطلاعه علي وثائق الأرشيف القومي في الولاياتالمتحدة وفي بريطانيا, بالاضافة الي التقائه بعدد من الشخصيات التي كان لها دور في الحرب. وبالرغم من المعلومات التي عرضها المؤلف والتي تلقي الضوء علي الكثير من جوانب السياسة الاسرائيلية والتي يتصل بعضها بالتاريخ والبعض الآخر بالسياسة الحالية لحكومة اسرائيل برئاسة نيتانياهو إلا انه بدا واضحا ان المؤلف اتخذ لنفسه رؤية منحازة وإن حاول الموازنة بين كونه مؤرخا وبين ارتباطه الرسمي بالحكومة الاسرائيلية فقدم تحليلا للوقائع الثابتة يخرجها من سياقها الطبيعي وهو بهذا كمن يقنع نفسه أولا بما يريد قوله وبعد ذلك يقنع قراء كتابه الذي اعتبر من أكثر الكتب مبيعا في اسرائيل والغرب. اسم الكتاب: حرب الأيام الستة: يونيو67 وتشكيل الشرق الأوسط الحديث.. والمؤلف مايكل أورين حاصل علي الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط من جامعة برينستون الأمريكية وعمل مديرا لادارة شئون العلاقات الدينية في حكومة اسحق رابين ومستشارا للوفد الاسرائيلي في الأممالمتحدة ثم عضوا في مركز شاليم للبحوث السياسية في القدس.وله مقالات نشرت في الصحف الأمريكية وكثير من الكتب المنشورة عن الشرق الأوسط. وبعد تولي نيتانياهو رئاسة الحكومة مؤخرا اختاره سفيرا في واشنطن في وقت توتر علاقته مع الرئيس أوباما وكان سبب اختياره ان نيتانياهو أراد شخصا يعرف الولاياتالمتحدة جيدا ويستطيع معرفة كيف يخاطب الأمريكيين. ان الوثائق التي اعتمد عليها أورين تظهر ان القيادة في اسرائيل فكرت في حرب67 من قبلها بسنوات واستعدت لها. ويقول أورين: ان خطط عمليات علي الجبهة الجنوبية( المصرية) قد تم تطويرها بعد انسحاب اسرائيل من سيناء عام57. وكان الحصول علي الاراضي الفلسطينية والتي يصفها بأرض اسرائيل يسيطر علي تفكير كل القادة الاسرائيليين ولذلك جري تطوير خطط عسكرية لضربات مركزة علي المدفعية الأردنية في الضفة الغربية ولحصار القدسالشرقية, كما أعدت خططا للتعامل مع سوريا علي الجبهة الشمالية للسيطرة علي هضبة الجولان بكاملها. وتضمنت الخطط الزحف علي سيناء نحو العريش في اتجاه قناة السويس ووضع اليد علي شرم الشيخ. وحسب مايقوله المؤلف: فإن الاستيلاء علي سيناء بكاملها يعيد الي الذاكرة ماقاله موشي ديان في أول يونيو67 من ان نجاحنا لا يقرره عدد الدبابات المصرية التي ندمرها بل حجم ما نستولي عليه من الأراضي. وينتقل أورين عن ايجال ألون نائب رئيس الوزراء في مقال كتبه قبيل حرب67 قوله في حالة وقوع حرب جديدة يجب علينا أن نتجنب الخطأ التاريخي الذي وقعنا فيه في حرب48 وهو الخطأ الذي تكرر في حملة سيناء1956 ويجب ألا نوقف القتال الي ان نحقق هدفنا بشأن الاراضي بإيجاد أرض اسرائيل. إسرائيل تجهز لحرب67 من قبلها بسنوات لم يستطع المؤلف ان يفلت من التناقض الذي ظهر في تناوله لحرب67 فهو حاول مرارا القول ان اسرائيل لم تكن تريد الحرب في ترديد لوجهة النظر الاسرائيلية الرسمية والقائمة علي أنها كانت تدافع عن نفسها بضربة وقائية في مواجهة عدوان عربي مبيت ضدها, في حين كانت الوثائق التي عرضها هو نفسه تكذب هذا الادعاء وتكشف كيف ان اسرائيل كانت تريد الحرب وترتب لها من قبلها بسنوات وان أسبابها أوسع مدي من مجرد صدور قرار عبدالناصر باغلاق خليج العقبة امام السفن الاسرائيلية وان قرار عبدالناصر كان الفرصة التي تنتظرها لتكون مبررا للحرب وليست سببا لها. وفي تشخيصه للحرب وأنها قامت نتيجة ممارسة اسرائيل حقها المشروع في الدفاع عن النفس وفعلت كل ما في وسعها لتجنبها فإنه يرد عليه بما قاله مناحم بيجين وكان عضوا في مجلس الوزراء عام67 من ان الحشود العسكرية المصرية في سيناء لاتظهر ان عبدالناصر ينوي مهاجمتنا. كما يأتي الرد عليه مما سجله المؤرخون الجدد في اسرائيل وهم أكاديميون أقاموا رؤيتهم علي ما اطلعوا عليه من الوثائق الرسمية الإسرائيلية التي رفع عنها الحظر والتي استند اليها أوين في كتابه.وما أتاحته لهم فرص الدراسة لسنوات في أوروبا والولاياتالمتحدة, من دراسة الوثائق التي لم تكن متوافرة لهم في إسرائيل. هدف القضاء علي عبد الناصر هؤلاء المؤرخون كتبوا ان إسرائيل أرادت قيام الحرب, وهيأت لها الظروف لسنوات وكانت تنتظر المبرر, وقالوا ان إسرائيل لم تكن قد فشلت في منع الحرب, بل إنها سعت إليها, وان مبادرة الحرب قد دفعت إليها أسباب داخلية, فقادة الدولة كانوا مهتمين بصرف أنظار شعبهم عن فشل السياسة الاقتصادية, بعد كساد وبطالة في منتصف الستينيات, عقب عشرين سنة تقريبا من النمو الاقتصادي السريع. وكتب المؤرخ الاقتصادي مايكل شاليف أن أرقام البطالة قد تضاعفت ابتداء من خريف عام1966 واتفق استاذا العلوم السياسية ياكوف بيليد, وإيجال ليفي, علي أن تصاعد الأحداث التي بدأت عام1964, قد أظهرت سلوكيات إسرائيل في هذه السنوات, تعكس استراتيجية محددة, لتعويض تراجع الدولة عن وعودها في تحقيق مبادئها الاجتماعية. ويضيف المؤرخ الإسرائيلي آفي شاليم سببا آخر فقال: ان المتشددين في إسرائيل كانوا يرون ان عبدالناصر هو أخطر عدو لهم وهو نفس ما كان بن جوريون قد عبر عنه, من خوفه من أن يصبح عبدالناصر مثل أتاتورك في تركيا, وينجح في توحيد الدول العربية ولذلك كان القضاء عليه, هدفا ملحا لدي قادة إسرائيل. هؤلاء المؤرخون الجدد اعتمدوا علي نفس الوقائع التي استند إليها أورين والتي بينت ان الموقف الداخلي المتدني جعل إسرائيل تشعر بأنها قد تكون مهددة بكارثة وهو موقف كانت تتوالي عليه تراكمات تقود إلي الحرب. أمريكا كانت تعرف قبل الحرب بأسابيع لقد بدأ العد التنازلي لساعة الحرب ويقول المؤلف: في فترة الأسابيع التي سبقت حرب يونيو, كانت التحركات علي الجانبين الإسرائيلي والأمريكي لافتة للنظر وتحمل الكثير من المؤشرات علي النية المبيتة للعدوان. ففي26 مايو سافر أبا إيبان وزير الخارجية إلي واشنطن, للتأكد من الموقف الذي ستتخذه ادارة الرئيس جونسون, لو نشبت الحرب ولدي وصوله تلقي برقية سرية من ليفي اشكول رئيس الوزراء, يوجهه لإبلاغ جونسون ان إسرائيل علمت ان مصر تخطط لهجوم عليها. وحين التقي الاثنان في البيت الأبيض قال جونسون: لايوجد دليل علي هجوم مصري وشيك ومع ذلك طلب جونسون من السفير المصري, أن يبرق إلي القاهرة محذرا الرئيس عبد الناصر من مهاجمة إسرائيل, وان الولاريات المتحدة سوف تحمله مسئولية وقوع هذا الهجوم. يقول المؤلف: ان روبرت ماكنمارا وزير الدفاع تنبأ قبل الحرب بأسبوعين, بأن الضربة العسكرية الإسرائيلية, سوف تلحق الهزيمة بالجيوش العربية خلال أسبوع واحد وهو بالضبط ماحدث. وفي منتصف مايو أي قبل أسابيع من نشوب الحرب, اقترح هارولد سوندرز المختص بالشرق الأوسط في البيت الأبيض وجوب السماح لإسرائيل بهزيمة أعدائها. كما ان تقديرات المخابرات الأمريكية اتفقت علي ان إسرائيل ستحرز نصرا سريعا, بصرف النظر عن الجانب الذي سيبدأ الهجوم وتنبأت وكالة المخابرات المركزية بأن الجيش الإسرائيلي سيحقق نصرا في فترة أسبوعين, أما لو بادرت إسرائيل بالهجوم فسيتحقق لها ذلك في أسبوع واحد.
المؤلف يدعو للتنصل من مبدأ الأرض مقابل السلام لقد ظهر الخلاف في تفسير الأحداث التي قادت إلي حرب67, بين معالجة أوروبية في كتابه, وبين تناول المؤرخين الجدد لنفس الموضوع. وعلي سبيل المثال نجد ان كتاب ولادة إسرائيل للمؤرخ سيمحا فلابان, وكتاب1948 ومابعدها للمؤرخ بينما موريس, وغيرها تنسف ما سموه الخرافة التي أحاطت بانشاء إسرائيل في السنوات العشر الأولي من وجودها وهو التعبير الذي نقله عنهم أورين في كتابه حيث قالوا: ان إسرائيل اتهمت في حرب48, باستئصال آلاف الفلسطينيين, تطبيقا للمبدأ الصهيوني الترحيل. ويبرز التوجه الرئيسي للمؤلف في تعمده ألا يذكر سوي القليل عن السياسات الإسرائيلية منذ حرب67,, لو أنها علي حد زعمه لم تكن تريد الحرب, لأنه لو خاض في هذه السياسات لوجد ما ينقض وجهة نظره, في وقائع مازال العالم يعيشها وحتي يومنا هذا في سنة2010, وكلها تفرض فرص السلام كلما لاحت. وبدلا من ذلك فهو ركز بدرجة أكبر علي معارك الأيام الستة, وخصص فصلا لكل يوم منها, بل أكثر من ذلك فهو يكشف صراحة عن تبنيه نفس موقف الرافضين للسلام. ويقول: ان الأحداث أثبتت زيف مبدأ الأرض مقابل السلام وان هذا المبدأ قام علي أساس آمال أمريكية, وليس علي الحقائق في الشرق الأوسط, وان الأمر يحتاج إلي ان يحل محل هذا المبدأ, موقف أكثر واقعية! في حين أن مبدأ الأرض مقابل السلام, هو الأساس الذي تأسست عليه عملية السلام في مؤتمر مدريد عام1991, بوساطة أمريكية, وبالتزام إسرائيلي بها ومعني نقض هذا المبدأ, هدم عملية السلام من أساسها. جنود مصريون هزموا وحدات إسرائيلية في67 لولا تدخل الطيران لقد أوقع المؤلف مايكل أورين نفسه في مطب حرج, فالحقائق الواردة في الوثائق السرية التي اعتمد عليها, تنطق بحقيقة ماجري لكنه راح يفسرها ويحللها بما يضفي عليها ملامح تغير من صورتها, وهو نفس أسلوب الحكومة الإسرائيلية التي يمثلها أورين الآن في واشنطن, بالتلاعب بالالفاظ ولي عنق الحقائق. فحين تتحدث اسرائيل عن رغبتها في السلام, فهي تسعي بتصرفاتها لنسفه, وحين تعلن قبول حل الدولتين, فإنها تطرح شروطا تنزع عن الدولة الفلسطينية أي شروط تجعل منها دولة بالفعل, وتتكلم عن المفاوضات, ثم تستبقها باجراءات علي الأرض, تجعل المفاوضات تمشي في طريق مسدود. حتي ان أورين عندما تعرض لوصف ماجري في أرض المعركة, فقد تهرب من وصف مايدين إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية, وحقوق الانسان, ومنها القتل العمد للاسري المصريين في هذه الحرب. ولم يشر للمعارك التي خاضها جنود مصريون بشراسة وبطولة, وهو ماسبق ان أعترف به الكاتب الإسرائيلي روبرت جاكسون في كتابه قصة القوات الجوية الإسرائيلية الصادر عام1970 ويعترف في ثنايا كتابه الدعائي, بدخول جنود مصريين في معارك مع وحدات اسرائيلية مهاجمة, وكاد المصريون ينتصرون في هذه المعارك, لولا مجيء الطيران الإسرائيلي ليغير نتيجة المعركة لأنه لم يكن هناك غطاء جوي مصري, بعد ان دمرت إسرائيل الطيران علي الأرض في الساعات الأولي للحرب. ولهذا جاء اعتراف جنرالات اسرائيليين بأنهم لم يصدقوا أنهم احرزوا هذا النصر وبهذه السرعة, لأن الخلل لم يكن في نقص قدرات عسكرية لدي المقاتلين المصريين, وتفوقا خارقا لدي الإسرائيليين بل انه ناتج عن اعداد إسرائيلي طويل وعبر سنوات لخطط هذه الحرب والتدريب عليها باستمرار, وتهيئة الظروف السياسية التي تدفع إليها, بينما لم تكن لدي الجانب المصري خطة هجوم, أو استعدادات لمواجهة مثل هذا الاعتداء الإسرائيلي لو أنه وقع فضلا عن أن الوضع السياسي الداخلي لم يكن ليساند عملا عسكريا فعليا يتصل بموضوع هذا الكتاب جانب قد يكون منفصلا عنه زمنيا, فقد دعا المؤلف أورين لندوة في الولاريات المتحدة, يتحدث فيها عن كتابه وسوف أحرص علي نقل كلماته, لما تعكسه من وجهات نظر تتصل بالوضع الحالي, فقد قال: اعتقد أن المشكلات التي أسهمت في اشعال حرب67, مازالت متبقية, فهناك نزاعات حول المياه, وحول بحيرة طبرية, وحول مضيق تيران, وكانت هناك مشكلات حول الأراضي, وهي التي أشعلت حربا رئيسية, تركت آثارا عميقة علي المنطقة بل وتجاوزت حدود المنطقة, علي امتداد أكثر من ثلاثة عقود, لأن المنطقة بأكملها في67, كانت تحتويها ما أسميه إطارا للنزاع بمعني أن النزاع يجري علي عدة مستويات مختلفة. ففي ذلك الوقت كانت تدور الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي وهناك الصراعات المريرة بين الحكام العرب, وفوق ذلك كله النزاع العربي الإسرائيلي وهو النزاع الرئيسي, ولذلك فحين يكون هناك إطار للنزاع, فتكفي شرارة صغيرة لإشعاله لنقل مثلا نزاع علي مصادر المياه, أو نزاع علي مضايق تيران, وبهذا يمكن لهذا النزاع ان يشعل حربا رئيسية.