تقوم شرائع الإسلام وآدابه علي اختبار الفرد جزءا لا يتجزأ من كيان الأمة وعضوا موصولا بجسمها لا ينفك عنها, فهو طوعا أوكرها يأخذ نصيبه مما يتوزع علي الجسد كله من غذاء, ونمو, وشعور, ووجدان. وقد جاء الخطاب الإلهي مقرا هذا الوضع, فلم يتجه للفرد وحده بالأمر والنهي, وإنما تناول الجماعة كلها بالتأديب, والإرشاد, ثم من الدرس الذي يلقي علي الجميع يستمع الفرد, وينتصح, وهكذا اطرد سياق التشريع في الكتاب والسنة يقول الله تعالي:( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون, وجاهدوا في الله حق جهاده) فإذن وقف المسلم بين يدي الله ليناجيه, ويتضرع إليه, لم تجر العبادة علي لسانه كعبد منفصل عن إخوانه, بل كطرف من مجموع متسق مرتبط بقول( إياك نعبد وإياك نستعين) ثم يسأل الله من خيره, وهداه, فلا يختص لنفسه بالدعاء, بل يطلب رحمة الله له ولغيره فيقول:( اهدنا الصراط المستقيم). إن الله عز وجل خلق الناس وشرع لهم دينا واحدا, وأرسل أنبياء تتري ليقودوا الناس كافة في طريق واحد, وحرم عليهم من الأزل أن يصدعوا, وأن يتفرقوا حوله عزينا. بيد أن البشرية تناست هذه الوصية الكريمة, وتنكرت للميراث الإلهي العظيم فانقسم الناس أحزابا, وصار كل حزب يكيد للآخر, ويتربص به, ولقد صور القرآن الكريم هذا الانقسام, وذلكم التحزب فقال سبحانه:( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم. وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون, فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون, فذرهم في غمرتهم حتي حين). وبين الله عز وجل أن اتباع الهوي, ومتابعة البغي هو سر هذا الافتراق الواسع والحق أن العلم عندما ينفصل عن الخلق, ويفارقه الإخلاص, يمسي وبالا علي أهله وعلي الناس, ولقد تأذي العالم في القديم والحديث من هذا العلم المدمر للحياة والأحياء, ونبأنا الله تعالي أن العلماء بالألسنة لا بالأفئدة هم الذين مزقوا شمل البشر قال جل شأنه:( شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك, وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر علي المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من نغيب ثم يقول بعد ذلك:( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلي أجل مسمي لقضي بينهم, وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب, فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير), وقال سبحانه:( وما اختلف فيه إلا الذين أتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم). عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر القاهرة