أحظ من ترامب, وأتعس من هيلاري. هذه الجملة تشخص ما حدث في الانتخابات الأمريكية..خسرت السيدة المؤهلة للمنصب الخطير, وكسب الأجوف الذي لا يكاد يبين..كانت وزيرة خارجية لأكبر دولة, وقبلها كانت عضوة كونجرس لمدتين متتاليتين, وقبلها السيدة الأولي لأمريكا مرتين إبان حكم زوجها بيل كلينتون, وقبلها السيدة الأولي لزوجها حاكم ولاية أركانسا لمدتين..كسبت جميع المناظرات والمواجهات, ولم يأت أحد مثلها في زمننا ثقافة وخبرة. ترامب في المقابل لم يعمل في وظيفة حكومية أو سياسية طيلة عمره ولا يعرف غير كلمات معدودة يكرر استخدامها, إضافة الي قدرته علي الفاحش من القول. ما أظهرته الانتخابات الأمريكية والتي كانت الأغرب في التاريخ, أن مثل الشعوب هو مثل الأفراد, أحيانا تنتابهم نوبة جنون جماعي, مثلما حدث في الاستفتاء الذي أدي الي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أمريكا التي لم تنتخب ترامب تشمل كل ولايات الشمال الشرقي والشمال الغربي..حيث عقل وقلب أمريكا..وحيث مركز ثقل حضارتها وثقافتها..هذه الأمريكا استيقظت في التاسع من نوفمبر, استيقاظ الذي عاش كابوسا مخيفا طوال ليلته. لتري نفسها أنها ستعيش طوال الأربع سنوات القادمة أسوأ أيام حياتها, علي حد تعبير واحد منها:ان أمريكا انتخبت شمامة معطوبة الداخل ومملوءة كراهية وعنصرية, انتخبته ليحكمها. أيضا هذه الأمريكا استيقظت علي احتجاجات ضد انتخابه في مدنها الأساسية:نيويورك, شيكاغو, سان فرانسيسكو, سياتل, بورتلاند, وأوكلاند. حجة هؤلاء أن الذين انتخبوه ينتظرون منه السعر الذي وعد به:بناء سور بين المكسيكوأمريكا..ترحيل ما يقرب من12 مليون مقيم غير شرعي بأمريكا..عدم السماح للمسلمين بدخول أمريكا..ومراقبة المسلمين الأمريكيين..وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران..وقبل كل شيء محو إنجازات أوباما..وفرمها مثلما يفرم الورق علي حد تعبير رئيس الأغلبية بالكونجرس. أما أمريكا التي انتخبت ترامب..فهي أمريكا الجنوب الشرقي والجنوب الغربي ومنطقة الوسط الغربي..وغالبيتها من المزارعين وأنصاف المتعلمين والمتعصبين وكارهي كل الأقليات والأجانب..وكل ما هو ليس أبيض. هذه الأمريكا تنتظر أيضا من ترامب أجر مساندتها له والإيفاء بما عاهدهم عليه. بعد إعلان فوزه بدقائق, خرج ترامب هادئا ومنتشيا علي غير عادته ليلقي علي الأمة خطاب فوزه طبقا للعرف الأمريكي..وليطمئن الجميع..وأنه سيكون رئيسا للجميع..وسيعمل علي رفعة أمريكا..وأن تعود عظيمة مرة أخري, وأبلغ أمريكا أن هيلاري اتصلت به وهنأته علي فوزه..وشكرها ومدحها علي مثابرتها. حقيقة انتخاب ترامب تكمن في أنها عودة للوراء..وأنها تجسيد ما عاناه الرجل الأبيض منذ ستينات القرن الماضي من تنازلات لمصلحة الأقليات وقضايا المرأة. هذا الرجل الأبيض يود الآن تحت حكم ترامب أن يعيد عقارب الساعة لما قبل الستينات..حيث كان الأبيض سيدا وما عاداه خادما له أو أقل منه قدرات وإمكانيات..هم المنادون بأنهم يريدون وطنهم الذي ضاع( يقصدون بذلك تحجيم الأقليات ومنع الهجرة الي أمريكا). في أقل من24 ساعة بعد فوزه, وعد اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بأنه سيحارب الوعود الانتخابية التي قطعها ترامب علي نفسه بكل ما أوتي من قوة. ربما يكون بول كروجمان الحاصل علي جائزة نوبل في الاقتصاد..والذي يعمل في صحيفة نيويورك تايمز هو الأقرب في تعبيره عما سيحدث نتيجة انتخاب ترامب, حيث كتب في التاسع من نوفمبر:انتخاب رجل جاهل وغير مسئول ليحكم أمريكا صاحبة أكبر اقتصاد في العالم, معروف عنه أنه يتلقي النصيحة دائما من أفراد غير أسوياء..هذا الرجل سيكون مشكلة المشاكل وخصوصا في الوقت الحالي حيث يعاني الاقتصاد العالمي من حالة هشاشة..انتخاب ترامب شيء رهيب علي الاقتصاد العالمي وعلي كل شيء آخر. ما بين عشية وضحاها..خسر الحزب الديمقراطي كل شيء..وكسب الحزب الجمهوري..الذي كان يخشي عليه الاندثار..كل شيء.