هل أنتم جاهزون لثورة سياسية؟! هكذا قال السيناتور بيرني ساندرز بحماس بالغ, مخاطبا أتباعه في مدينة فينكس بولاية أريزونا الأمريكية قبل انتخاباتها المبدأية, والتي خسرها وحصل فيها علي40% مقابل58% لكلنتون. هو بيرني ساندرز المرشح الديموقراطي المنافس لهيلاري كلينتون في الانتخابات المبدأية للحزب الديموقراطي, والتي تجري حاليا. هو اليهودي الاشتراكي والعجوز الذي يبلغ من العمر خمسا وسبعين سنة. يحظي بدعم الشباب وكثير من الليبراليين الديموقراطيين, ويمثل ظاهرة لم تعهدها أمريكا من قبل. هو السيناتور عن ولاية فيرمونت منذ2006, وصاحب المبادئ التي تجعله مثار إعجاب الشباب الأمريكي. عندما يقارئه الناخب الصغير بهيلاري كلنتون المخضرمة والمؤهلة للحكم كونها كانت وزيرة للخارجية الأمريكية في فترة رئاسة أوباما الأولي, وكانت قبلها عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك, وكانت السيدة الأولي لثماني سنوات عندما كان زوجها بيل كلينتون رئيسا لأمريكا, وكانت قبلها سيدة ولاية أركانسا الأولي عندما كان بيل كلينتون حاكما لتلك الولاية. باختصار هي بيت خبرة وبنك معلومات متحرك. رغم هذه السيرة الذاتية التي لا تضاهي, فإننا نجد ساندرز يمثل خطرا حقيقيا علي فرصتها أن تكون أول امرأة تحكم الولاياتالمتحدة. المشكلة كما تلخصها استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من الأمريكيين لا تثق فيها, مثلها مثل ترامب في ذلك. أما ساندرز العجوز فيفاجئ الجميع كل يوم بنجاحات جديدة وغير متوقعة. علي سبيل المثال فوزه يوم السبت السادس والعشرين من مارس علي هيلاري باكتساح في ثلاث ولايات هي واشنطن وألاسكا وهاواي بنسب تزيد علي60% في ثلاثتها. السؤال المطروح المهم: هل هناك تغيير حقيقي في السياسة والثقافة الأمريكية تجاه الاشتراكية؟. الاشتراكية دائما كلمة قذرة في السياسة والثقافة الأمريكية. في عام1936, حاول خصوم الرئيس فرانكلين روزفلت إلصاق تهمة الاشتراكية به عندما أعلن رغبته في الترشح لمنصب الرئاسة فترة ثانية. في الحال أعلن المتحدثون باسمه عدم صحة تلك الاتهامات ونفيها قطعيا ووصفها بالتهمة وأنه: لا يوجد أمريكي وطني وشريف يمكنه أن يقحم الاشتراكية في الشأن الأمريكي. الآن وبعد ما يقرب من ثمانين سنة, لم تعد الاشتراكية تهمة يمكن إلصاقها بشخص فيصبح وكأنه مصاب بطاعون أو جدري, ويجب البعد عنه. نعم هناك تغيير كبير, وخصوصا لدي الشباب أقل من30 سنة, والذي لا تمانع غالبيته في التصويت لمرشح اشتراكي كما أذاع أحد استطلاعات الرأي في يونيو2015, أن ما يقرب من70% من تلك الفئة العمرية ترغب في التصويت لمرشح اشتراكي, ولا تمانع بتاتا في أن يصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة. إضافة إلي ذلك هناك استطلاعات رأي لنفس الفئة تفيد أن43%, منها تفضل الاشتراكية مقارنة ب32% تفضل الرأسمالية. هؤلاء الشباب مختلفون كلية عن كبار السن الذين عايشوا الحرب الباردة, وكانوا نتاجها, وكانت الماكينة الإعلامية الأمريكية الجبارة تغذي فكرهم طيلة الوقت, وتصور أن الاشتراكية هي الشيوعية, وهي الشر المطلق. من أجل هذا يكسب بيرني ساندرز الاشتراكي العتيد غالبية أصوات الشباب, من أجل نجاحه تنهال عليه التبرعات لدعم حملته الانتخابية بطريقة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الأمريكية. رغم كل هذا لن ينجح ساندرز في الفوز علي هيلاري كلينتون لأن الحزب الديموقراطي يدرك أن الحزب الجمهوري, وكل القوي المحافظة بما فيها المحافظون الديموقراطيون سيفتحون أبواب جهنم علي ساندرز في حالة فوزه, وليصبح المرشح الديموقراطي الذي سيواجه المرشح الجمهوري سواء كان دونالد ترامب أو غيره في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم. إضافة إلي ذلك فإن هيلاري تسبقه الآن بكثير في عدد الأصوات الانتخابية المطلوبة لتصبح المرشحة الديموقراطية. ورغم ذلك فإن ما حققه ويكلفه ساندرز يمثل ثورة حقيقية في السياسة والثقافة الأمريكية, وسيكون له آثار بالغة في الانتخابات المستقبلية القادمة. إنها دنيا عجيبة: روسيا تتجه يمينا, وأمريكا تتجه يسارا, سبحان مقلب القلوب. الجامعة البريطانية في مصر