أنا سيدة في منتصف الثلاثينات, ما أن التحقت بعامي الجامعي الأول حتي تقدم لخطبتي مهندس شاب كان زميلا لوالدي في الجهة التي يعمل به, ورحب به أبي لما لمسه فيه من طموح يضمن لي مستقبلا جيدا ولأنني كنت عديمة الخبرة فقد وافقت علي الخطوبة وسرعان ما وقعت في غرامه بما يتناسب مع مشاعري البكر, ولم تطل خطبتنا فقد كنا ميسورين وجاهزين للزواج الذي أتممت دراستي في كليتي النظرية خلاله, وأنجبت ولدا وبنتا وكانت حياتنا سعيدة فيما يبدو لي ولم يعكرها سوي وفاة والدي ثم سفر زوجي لدولة عربية وقررنا وقتها أن أستقر في مصر حرصا علي تعليم أبنائي خاصة أن عمل زوجي كان يسمح له بالحضور عدة مرات في السنة, لكن مع مرور الوقت بدأت ألحظ تباعد زوجي عني في إجازاته القصيرة حتي وصل إلي التجنب التام, كل هذا وأنا لم أدخر وسعا لفهم الأسباب ولم أصدق ما كان يسوقه لي من أسباب واهية متهما إياي بعدم الاعتناء بنفسي وهو عكس ما يشهد لي به كل من حولي. لن أطيل عليك سيدتي فقد طلبت منه الانفصال بعدما تيقنت أن علاقتنا لن تنصلح, وعندما رفض دون حتي أن يكلف نفسه الحضور للتفاهم قمت بخلعه حتي أستريح من الأمراض التي كانت تداهمني وأرجعها الأطباء لأسباب نفسية, فهل تصدقين من الذي وقف بجانبي طوال سنوات المعاناة ؟ إنه سائق كان أبي قد استأجره منذ كنت في الدراسة الثانوية ثم أصبح يقوم بكل الخدمات التي تحتاجها الأسرة, وبعد وفاة والدي نذر نفسه لخدمتي أنا وأولادي الذين أصبحوا لا يستغنون عنه!! وفجأة وجدته الرجل الوحيد في حياتي بعد انسحاب زوجي وانشغال أخي الوحيد, وفجأة صارحني هذا الرجل الآتي من الحي الشعبي والذي لم يتلق تعليما بعد الابتدائية أنه يحبني منذ سنوات طويلة وأنه لم يتزوج بسببي, والغريب أنني لم أستهجن كلماته بل لاقت قبولا في نفسي بعد أن راجعت حياتي فاكتشفت أنه الرجل الوحيد الذي ساعدني وأأتمنه علي أولادي... فهل ترين أي بارقة أمل لنجاح هذه الزيجة ؟؟ عزيزتي ذات الرداء الأبيض حكايتك المثيرة تأخذنا إلي عالم الحواديت والمغامرات حيث يخطف العبد الفقير الأميرة علي الجواد ويهرب ليبدآ حبهما بعيدا عن أعين الحاشية ولغط الناس, دعيني استهل ردي عليك متسائلة إلي أين تنتوين الهرب؟ أم ستواجهان معا لومة اللائمين وسخرية المتندرين؟ مهلا صديقتي, أنا لست منهم لكني أظن أن البطل الرئيسي في قصتك هي قلة خبرتك وعواطفك البكر منذ البداية, وأخشي ما أخشاه أن تكون الخطوة القادمة مضيا علي نفس النهج الذي انتهي بطلاقك من الزوج الذي وقعتي في غرامه منذ اللحظة الأولي. صديقتي, بكل ما تحمل قصتك من مشاعر ظاهرها نقي ونبيل مثل وقوف سائق الأسرة إلي جانبك وأسرتك الصغيرة, دعيني آخذ بيديك لتطلي معي علي شيء من نافذة الواقع: ألا تعتقدين أنك بمثابة الأميرة ذات الرداء الأبيض, الحلم صعب المنال لهذا الرجل الطيب؟ ما هي احتمالات نجاح علاقة بنيت علي أسس كتب الأطفال؟ أري الرجل وقد اعتاد خدمتك, أي اتسطب علي دور الخادم الأمين وأنت قد اتسطبتي علي دور الأميرة المخدومة, ألا تدركين أن في العلاقة الزوجية من التفاصيل ما سيجبرك علي قلب الأدوار؟ وأنا لا أشير إلي العلاقة الحسية والجنسية فربما يكون هذا جذابا, ماذا سيكون رد فعلك عندما تجدين نفسك تابعة أو خادمة لرجل لا يعي مفردات تصرفاتك لأنه ببساطك لم يتعلمها؟ ماذا سيكون رد فعلك حين تواجهين الرجل الزوج الذي لم تلتقينه حتي هذه اللحظة؟ إن دور الخادم يحتم سلوكيات كثيرة لا تمت بصلة لدور الزوج, ألم تفكري في أن العبد الفقير يعلم كل شيء عنك أنت وأبنائك وأغلب الظن أن هناك الكثير من جوانب حياته لا علم لك بها و ما أدراكي ما هي, إن هذا في حد ذاته يمثل شديد الخطورة عليك خاصة أنه الرجل الوحيد الذي تعتمدين عليه وتحتمين به مثلما ذكرت, فماذا سيكون رد فعلك لو انقلب عليك وبمن ستحتمين؟! سيدتي البريئة براءة الأطفال, لم تعد البراءة وقلة الخبرة تنفع في زمن يسيطر عليه منطق اللي تغلب به العب به. مع كامل حسن ظني في الرجل الطيب الوحيد اللي في حياتك. أنت في أمس الحاجة لتغيير نمط حياتك والاحتفاظ بأسرارك المادية ونقاط ضعفك أنت وأولادك لأن تغيير الأحوال يغير النفوس, وتغيير الأوضاع يغيرها أكثر, أري إن كنت في حاجة لمن يسد احتياجاتك العاطفية والجنسية وكنت راغبة في الرجل الوحيد المتاح في هذه اللحظة: أن تؤمني نفسك وأولادك بإيجاد بديل عنه كسائق وخادم أولا ثم تبدأين في الظهور معه في المجتمع كشخص في محيطك وحياتك لتختبري مشاعرك ومشاعره بعد أن تتخلصي من اعتماديتك عليه واحتياجك غير المقبول له, وإن وجد لنفسه عملا آخر وانفصل بحياته وتكيفتي علي الفروقات الاجتماعية بينكما أنصحك بأن تتعاملي مع هذا الارتباط بحذر شديد وألا ينتقل إلي بيتك أنت وأولادك قبل مضي عامين من الزواج الشرعي الذي تملكين فيه الحق في تطليق نفسك( احتفاظك بالعصمة) وأن يتكفل بالإنفاق عليك من عمله الجديد كزوجة, أما لو قررت عدم المضي في هذا الكهف المظلم, فلك كل الحق في البحث عن رجل آخر وخدم آخرين والأفضل من هذا وذاك هو البحث عن نفسك والبدء في الاعتماد علي ذاتك في كل أمورك