تدهشك مريم, ذات الأعوام السبعة, وهي تسير علي أطراف أصابعها, ربما تظن أنها مجرد طفلة تلهو بتقليد راقصات الباليه, هي رقيقة كفراشة, ناحلة نحيفة كعارضات الأزياء, ربما تبتسم لها وتداعبها, لكن لو دققت النظر جيدا, لو توقفت قليلا لتتابعها لتملكك الحزن وغمرك الأسي, ربما تضمها بين ذراعيك وتقبل رأسها إشفاقا, وتتعجب كيف تحتمل هذه البراءة وهذه الرقة كل هذا المرض والألم, فمريم ولدت والألم معها, كأنهما توءمان ملتصقان كتب عليهما ألا يفترقا. عندما انطلق بكاؤها ليعلن قدومها إلي الدنيا كانت ضعيفة واهنة تعاني صعوبات في التنفس, باردة كالثلج فأوصي الطبيب بأن توضع في الحضانة لأنها تحتاج إلي رعاية خاصة حتي تقوي قليلا, وبعد أربعة أيام أمر الطبيب بإخراجها, وذهبت إلي بيتها للمرة الأولي, لكن فرحة الأسرة لم تكتمل; فقد كانت أعراض المرض بادية عليها, لا ترضع, لا تتحرك إلا حركات مفاجئة كرعشات, فحملها أبوها إلي الطبيب الذي رجح إصابتها بميكروب في الدم, وأعادها مرة أخري إلي الحضانة لتبقي فيها فترة قبل أن تخرج, ولكنها لم تكن طبيعية كالأطفال في سنها. سارت الأيام متثاقلة بطيئة, ومريم لا تنمو كأقرانها, ضعيفة مريضة لأقل سبب, لفحة برد أو حتي تيار هواء كفيل بأن يصيبها بالمرض أياما, مر عام وانتظر الأهل أن تصلب مريم عودها وأن تخطو خطوتها الأولي, لكن أملهم خاب, أعطوها الكالسيوم لتقوي عظامها بناء علي توصيات طبيبها, لكن لا استجابة, وعندما اقترب عمرها من الثلاثة أعوام وهي لا تمشي عرضها والداها علي طبيب متخصص في المخ والأعصاب أوصي بإجراء أشعة علي المخ, وكانت الكارثة, مريم مصابة بضمور في بعض أجزاء غشاء المخ الذي يطلق عليه الأم الحنون. تلقي الأبوان الصدمة بصبر ورضا, وبدأت رحلة العلاج لتفادي تأثير هذا الضمور علي مريم, وبدأت مريم تمشي, تمشي علي أطراف أصابعها, فقد أثر الضمور في الأم الحنون علي أعصاب القدمين, كما أدي إلي قصور في أوتار السمانة, وهو ما نتج عنه أن حركة مريم صارت علي أطراف أصابعها, وأصبحت غير مستقرة وغير متوازنة وعرضة للسقوط والإصابة في أي لحظة. وكأن مريم لم تكتف بما أصابها من صعوبة الحركة, فقد أدي الخلل في أعصاب المخ إلي اختلال في كهرباء الدماغ, وأصيبت مريم بنوبات من التشنجات والرعشة, ولازمها الأرق والقلق واضطرابات النوم, وفقدت القدرة علي التركيز, وصارت عصبية بشكل كبير, ووصف لها الأطباء كثيرا من المسكنات, فأصبحت حياتها تدور بين فرط الحركة والنشاط الزائد نتيجة زيادة كهرباء المخ وبين الخمول والهبوط والوهن نتيجة استخدام الأدوية المسكنة بكميات كبيرة. بلغت مريم السابعة من عمرها, أقرانها الآن يذهبون إلي المدرسة, يتعلمون القراءة والكتابة ويتعرفون علي بيئتهم والمجتمع من حولهم, يحلمون بيوم يتخرجون فيه أطباء ومهندسين وعلماء وضباطا, يمارسون حقهم في اللعب والتعلم واستكشاف العالم من حولهم, أما مريم فهي قعيدة البيت, رفضت المدرسة قبول أوراقها خوفا عليها, لن تستطيع الصمود في عالم الأطفال الحافل بالشقاوة واللعب, مريم لا تستطيع السير بسهولة, وغير قادرة علي التوازن والاستقرار نتيجة ضمور أعصاب القدمين وقصور أوتار السمانة, وهو ما يعرضها لخطر السقوط والإصابة, كما أن نوبات الصرع التي تنتابها نتيجة الخلل في كهرباء المخ لن تسمح لها بالتحصيل الدراسي ولا الاندماج في بيئة المدرسة. يناشد والد مريم أشرف أحمد علي, وهو موظف بسيط الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة, أن يكلف أستاذا متخصصا في جراحة المخ والأعصاب, ليوقع الكشف علي مريم, وأن يفحص قدميها ثم يجري لها الجراحة التي تحتاجها, حتي تستطيع مريم أن تعيش طفولتها وتذهب إلي مدرستها وتندمج مع أقرانها في عالمهم البريء المفعم بالأمل والأحلام. علي حافظ